المستوى الاجتماعي

ج. على المستوى الاجتماعي:

يرى الباحث الفلسطيني غازي الصوراني أن أزمة المجتمع العربي تعود في جوهرها إلى أن البلدان العربية عموما لا تعيش زمنا حداثيا أ حضاريا، و لا تنتسب له جوهريا، و ذلك بسبب فقدانها ـ  بحكم تبعيتها البنيوية ـ للبوصلة من جهة، و للأدوات الحداثية الحضارية و المعرفية الداخلية التي يمكن أن تحدد طبيعة التطور المجتمعي العربي و مساره و علاقته بالحداثة والحضارة العالمية أو الإنسانية ” (19).

    لقد كانت الأوضاع الاجتماعية للدول العربية انعكاسا مباشرا لتردي الأوضاع الاقتصادية التي كانت عليها، و يمكن أن نشير إلى بعض مظاهر التردي الاجتماعي التي ما تزال من مميزات مجتمعاتنا إلى يومنا هذا، و منها:

  • ظهور الطبقية في أغلب أو كل المجتمعات العربية، مع غياب الطبقة الوسطى و تفاقم معدلات البطالة و الفقر.

  • أزمة الهوية و الانتساب لدى الشعوب العربية و فقدان الثقة بين الحكام و المحكومين مما أدى إلى تذبذب الولاء.

  • مظاهر التفكك الأسري و الإنحلال الأخلاقي نتيجة الاستعمال السيئ و غير الواعي لوسائل ثورة الإعلام و الاتصال.ذ

  1. سبل المواجهة و التكيف:

رغم أن تجليات العولمة تؤكد اتجاه العالم نحو هيمنة الأطراف القوية على جميع الجبهات، كما أنه لا جدال في أن صد العولمة بات مستحيلا بل من المستحيل رفض الاندماج في النظام الكوني الجديد أو المستحدث، حيث أصبح الدخول في هذا النظام واقع لابد منه، إلا أنه و من المؤكد أننا في حاجة إلى آليات جديدة و وسائل فعالة من شأنها أن تغير ثوابت الفكر و البحث عن آليات للحفاظ على الخصوصيات، و لن يأتي ذلك إلا من خلال إرادة قوية هي إرادة البقاء و المنافسة في السوق الحضاري العالمي (20)، خاصة في ظل الإدراك المتزايد لطبيعة التناقض بين خطاب العولمة و سلوك دعاتها (21).

و فيما يخص عملية التكيف الإيجابي مع العولمة و الحداثة الغربية و مختلف التغيرات التي حصلت أو يمكن أن تحصل على المستوى العالمي، يقدم الدكتور حسن البزار جملة من الإجراءات الممكنة، و أهمها:

ü     التأكيد المتواصل على إضفاء الروح الحضارية للأمة العربية و المتمثلة في الدين الإسلامي.

ü  السعي الحثيث لاتخاذ خطوات بناءة نحو تبني سياسات و إجراءات اقتصادية إصلاحية واسعة، تمنحنا القدرة على مواجهة الصعاب الاختلالات السياسية.

ü  تفعيل عناصر القوة المتاحة في النظام العربي، و السعي الحقيقي لصيانة أسس النظام العربي من احتمالية تداعياته، و إن لم نكن في المكانة التي تؤهلنا للدفع به إلى الأمام و البناء، و الإصرار على عدم الوصول إلى درجة فقدان الهوية القومية التي تشكل العمود الفقري لهذا النظام.

ü  عدم إغفال المجتمع المدني، أو تجاهل أداء موسساته أو الانخراط الكامل وراءه، بل السعي لتنشيطه و تحسين سبل ممارسة الحكم  و تنمية وسائل إدارته.

ü  العمل الجاد لتقليل حالة التوتر و مظاهر الاحتقان السياسي الحاصلة بين النظم و الحكومات و المعارضات الوطنية، و تسهيل و سائل المشاركة السياسية التي تهدف إلى ترشيد عملية صنع القرارات و رسم السياسات الحكيمة من خلال الانتقال و التحول اديمقراطي و تخفيف روابط التبعية الخارجية.

ü  إعادة تقييم العلاقات العربية مع الانفتاح العربي و تفضيل المصالح العليا على المصالح القطرية، و إعادة تقييم علاقاتها الخارجية مع دول الجوار بموجب القضايا و المصالح العليا المشتركة للأمة العربية و ليس على أساس المصلحة القطرية الضيقة.

ü  العمل الصادق للوصول إلى مشروع حضاري عربي ينسجم مع معطيات الوضع العربي الراهن، و تتماشى مع الخيارات العالمية القائمة، و يدفع إلى تحقيق الرؤى العربية الناضجة في الوحدة العدالة و التنمية الديمقراطية و الاستقلال و الحفاظ على الأصالة و التراث و حفظ الكرامة.(22)

و تبقى هذه المقترحات مجرد أفكار و اقتراحات  لا تجد قيمتها إلا أذا لاقت القبول لدى النخب و صانعي القرار في أقطارنا العربية.

————————————————————————-

الجزء الثالث:

آليات مواجهة العولمة

و البدائل المتاحة

ملاحظة: محتوى المقالين السابقين مهمين في هذا الصدد:

1- مناهضة العولمة و الليبرالية الجديدة

2- عولمة ماذا ؟ كيف ؟ لمن ؟

العولمة: الأخطار وكيفية المواجهة

د. غازي التوبة     6/11/1427

27/11/2006

 نقلا عن موقع: الإسلام اليوم: http://204.187.100.80/articles/show_articles_content.cfm?id=37&catid=185&artid=8270

لقد أصبح مصطلح العولمة متداولاً منذ بداية التسعينات، وأصبح علماً على الفترة الجديدة التي بدأت بتدمير جدار برلين عام 1989م وسقوط الاتحاد السوفييتي وتفككه، وانتهت بتغلّب النظام الرأسمالي على النظام الشيوعي، والعولمة ككل ظاهرة إنسانية لها أبعاد متعددة، وسنتناول ثلاثة من أبعادها الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية، ثم سنتحدث عن بعض أخطارها.

1- البعد الاقتصادي: ويتجلى في تعميم الرأسمالية على كل المجتمعات الأخرى، فأصبحت قيم السوق، والتجارة الحرة، والانفتاح الاقتصادي، والتبادل التجاري، وانتقال السلع ورؤوس الأموال، وتقنيات الإنتاج والأشخاص والمعلومات هي القيم الرائجة، وتفرض أمريكا الرأسمالية على المجتمعات الأخرى عن طريق مؤسسات البنك الدولي، ومؤسسة النقد الدولي، وغيرها من المؤسسات العالمية التابعة للأمم المتحدة، وعن طريق الاتفاقات العالمية التي تقرها تلك المؤسسات كاتفاقية الجات وغيرها.

2- البعد السياسي: ويتجلى في انفراد أمريكا بقيادة العالم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وتفكيك منظومته الدولية، ومن الجدير بالملاحظة أنه لم تبلغ إمبراطورية في التاريخ قوّة أمريكا العسكرية والاقتصادية، مما يجعل هذا التفرد خطيراً على الآخرين في كل المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية..الخ

3- البعد التكنولوجي: مرّت البشرية بعدّة ثورات علمية منها ثورة البخار والكهرباء والذرّة وكان آخرها الثورة العلمية والتكنولوجية والخاصة بالتطورات المدهشة في عالم الكمبيوتر، وتوصل الكمبيوتر الحالي إلى إجراء أكثر من ملياري عملية مختلفة في الثانية الواحدة، وهو الأمر الذي كان يستغرق ألف عام لإجرائه في السابق، أما المجال الآخر من هذه الثورة فهو التطورات المثيرة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتي تتيح للأفراد والدول والمجتمعات للارتباط بعدد لا يُحصى من الوسائل التي تتراوح بين الكبلات الضوئية والفاكسات ومحطات الإذاعة والقنوات التلفزيونية الأرضية والفضائية التي تبث برامجها المختلفة عبر حوالي (2000) مركبة فضائية، بالإضافة إلى أجهزة الكمبيوتر والبريد الإلكتروني وشبكات الإنترنت التي تربط العالم بتكاليف أقل وبوضوح أكثر على مدار الساعة، لقد تحولت تكنولوجيا المعلومات إلى أهم مصدر من مصادر الثروة أو قوة من القوى الاجتماعية والسياسية والثقافية الكاسحة في عالم اليوم.

ما هي أخطار العولمة؟

1- الخطر الأول: الفقر والتهميش:

ستؤدي العولمة إلى تشغيل خمس المجتمع وستستغني عن الأربعة الأخماس الآخرين نتيجة التقنيات الجديدة المرتبطة بالكمبيوتر؛ فخمس قوة العمل كافية لإنتاج جميع السلع، وسيدفع ذلك بأربعة أخماس المجتمع إلى حافة الفقر والجوع، ومن مخاطر العولمة أيضاً قضاؤها على حلم مجتمع الرفاه، وقضاؤها على الطبقة الوسطى التي هي الأصل في إحداث الاستقرار الاجتماعي، وفي إحداث النهضة والتطور الاجتماعي، ومن مخاطرها أيضاً دفعها بفئات اجتماعية متعددة إلى حافة الفقر والتهميش، وتشير الأرقام إلى أن (358) مليارديراً في العالم يمتلكون ثروة تضاهي ما يملكه (2.5) مليار من سكان العالم. وأن هناك 20% من دول العالم تستحوذ على 85% من الناتج العالمي الإجمالي، وعلى 84% من التجارة العالمية، ويمتلك سكانها 85% من مجموع المدخرات العالمية. وهذا التفاوت القائم بين الدول يوازيه تفاوت آخر داخل كل دولة؛ إذ تستأثر قلّة من السكان بالشطر الأعظم من الدخل الوطني والثروة القومية، في حين تعيش أغلبية السكان على الهامش، وسيؤدي ذلك إلى نتائج اجتماعية خطيرة، ويمكن أن نمثل بالولايات المتحدة أبرز قلاع الرأسمالية، فالجريمة اتخذت هناك أبعاداً بحيث صارت وباء واسع الانتشار. ففي ولاية كاليفورنيا – التي تحتل بمفردها المرتبة السابعة في قائمة القوى الاقتصادية العالمية – فاق الإنفاق على السجون المجموع الكلي لميزانية التعليم. وهناك (28) مليون مواطن أمريكي، أي ما يزيد على عشر السكان، قد حصّنوا أنفسهم في أبنية وأحياء سكنية محروسة. ومن هنا فليس بالأمر الغريب أن ينفق المواطنون الأمريكيون على حراسهم المسلّحين ضعف ما تنفق الدولة على الشرطة.

ونلاحظ في هذا الصدد أن ظاهرة فتح الأبواب على مصراعيها أمام التجارة الحرة باسم حرية السوق قد رافقتها نسبة مهولة من ازدياد الجريمة، فقد ارتفع حجم المبيعات في السوق العالمية لمادة الهيروين إلى عشرين ضعفاً خلال العقدين الماضيين، أما المتاجرة بالكوكايين فقد ازدادت خمسين مرة