الوطن العربي

والوطن العربي حيال هذه التكتلات الكبيرة والأوضاع الخطيرة الضاغطة، ممزق وضعيف وفقير، يسهل اصطياد أقطاره وإخضاعها، والتحكم بمساحات اقتصاده تحكماً مباشراً، ولاسيما ثرواته الرئيسة كالنفط، ويزيده بعض أهله إفقاراً وضعفاً بضخ الأموال منه، وإيداعها في الغرب خاصة، واستثمارها بما يقوي عدوهم أحياناً.” (علي عقلة عرسان، العولمة والثقافة، مجلة الفكر السياسي، دمشق، العددان (4و5)، شتاء 1998/1999م، ص221).

ويظهر أن الدعوة للعولمة دعوة أمريكية بشكل خالص، تسعى لها وتريد فرضها على العالم، ففي لقاء بين (محاذير محمد) رئيس وزراء ماليزيا، ووزيرة الخارجية الأمريكية، “قال محاذير: على الدول الصغيرة أن تحذر الدخول في العولمة بلا تحوطات. فردت وزيرة الخارجية الأمريكية بضجر واضح: يا سيد محمد إن الدخول في العولمة أمر واقع لا خيار لأحد فيه.” (زكريا بشير إمام، في مواجهة العولمة، عَمّان، مكتبة روائع مجدلاوي، ط1، 1420هـ/2000م، ص180).

والرئيس الأمريكي “(جورج بوش الأب) قال بعد حرب الخليج الثانية، في مناخ الاحتفال بالنصر: (إن القرن القادم سوف يشهد انتشار القيم الأمريكية، وأنماط العيش، والسلوك الأمريكي).” (علي عقلة عرسان، العولمة والثقافة، مجلة الفكر السياسي، (مرجع سابق)، العددان (4و5)، ص223).

وهذا نزوع استعماري واضح، يستهدف ثقافة الآخرين وتاريخهم، وجعلهم تبعاً لهذا الزعيم الوحيد، وهو أمريكا تحت السيطرة اليهودية.

والواقع اليوم يؤكد لنا هذا الكلام، فحرب أمريكا لأفغانستان، من غير جرم مؤكَّد، وحربها على العراق مع اختلاق الأكاذيب والحجج الواهية، وتخطيطها الاستعماري لكثير من الدول الضعيفة مالكة الكنوز الأرضية من نفط وغاز.. وحربها على عدو اختلقته واصطنعته من أوهامها سمتَّه الإرهاب، وقصدت به الإسلام والمسلمين، ليست إلا شواهد على هذا الاستعمار الجديد، تحت اسم جديد هو العولمة.

“لقد لاحظ كثيرون أن النظام العالمي الجديد، والدعوة إلى العولمة التي يبشر بها كأيديولوجية، وهي في الواقع من صنع اليهود بغية السيطرة على العالم التي تحققت لهم في نهاية القرن العشرين بلا جدال.. ولا أدل على ذلك من سيطرتهم الكاملة على الكونغرس الأمريكي وعلى الإدارة الأمريكية، خاصة في عهد الرئيس كلينتون، حيث أكثر من ستة من وزرائه من اليهود الصهاينة الموالين تماماً لإسرائيل، ومنهم وزراء الخارجية والدفاع والأمن القومي، وعدد كبير من السفراء.

[واليوم يقرر رئيس وزراء إسرائيل شارون أن أكبر من خدم اليهود من رؤساء أمريكا هو الرئيس الحالي جورج بوش الابن]

ولقد كشف مدى الهيمنة الكاملة لليهود على الإدارة الأمريكية وعلى مقدرات المجتمع الأمريكي الكاتب (بول فندلي) في كتابه: (Who Dares to Speak) الذي ترجم إلى العربية تحت عنوان: (من يجرؤ على الكلام)، فبيّن بول فندلي كيف أن اليهود يسيطرون على دور النشر بأمريكا سيطرة كاملة.. وكذلك يسيطرون على أسواق العملات والأسهم والبنوك وكبريات الشركات والإعلام والجامعات، وكل شيء تقريباً في صناعة الأفلام في هوليود، ولا تقتصر سيطرتهم على الولايات المتحدة وحدها، بل تعدت ذلك إلى فرنسا وألمانيا وبريطانيا..

إن سيطرة اليهود اليوم على العالم كله كبيرة جداً، وحتى العالم الإسلامي والعربي لم يسلما من تلك السيطرة والهيمنة.” (زكريا بشير إمام، في مواجهة العولمة، (مرجع سابق)، ص178).

ويكشف لنا بعض المسؤولين الأمريكيين الأحرار أن في أمريكا اليوم حكومة خفية تدعى حكومة الظل، هي التي تخطط وتنفِّذ، لا يعلم كنهها أكثر السياسيين الأمريكيين.

ولو أردنا أن نفهم هذه اللعبة أكثر، علينا أن نراجع ما ورد في البروتوكولات الصهيونية، وقراءة تخطيطهم للسيطرة على العالم وقيادته.

ورد في “البروتوكول الرابع عشر: عندما نصبح أسياد الأرض لن نسمح بقيام دين غير ديننا.. من أجل ذلك يجب علينا إزالة العقائد، وإذا كانت النتيجة التي وصلنا إليها مؤقتاً قد أسفرت عن خلق الملحدين، فإن هدفنا لن يتأثر بذلك.. بل يكون ذلك مثلاً للأجيال القادمة التي ستستمع إلى دين موسى، هذا الدين الذي فرض علينا مبدؤه الثابت النابه وضع جميع الأمم تحت أقدامنا.” (عبد العزيز شرف، الإعلام الإسلامي وتكنولوجيا الاتصال، القاهرة، دار قباء، 1998م، ص128).

فالخطر كبير وعظيم لا محالة، ولكن علينا أن لا نصاب باليأس، فاليأس صفة من صفات الكافرين، وعلينا أن نتسلح بالإيمان واليقين أولاً، وبالعلم والحقائق ثانياً، وأن نبذل جهدنا وجهادنا، فهذه القوة ليست في أكبر حدودها إلا قوة بشرية ضعيفة، يمكن للناس الآخرين الانتصار عليها، وإلحاق الهزيمة بها.

وتضخيم هذا الأمر بحيث يشعر القراء ومتابعو وسائل الإعلام أن القوة الأمريكية بالإدارة اليهودية قوة عظيمة، لا يمكن تخيّلها أو معاداتها أو حتى التفكير في ذلك، وأنها شبح عظيم، أو تنين خارق تستحيل مواجهته بالوسائل البشرية، هذه الفكرة بحدّ ذاتها فكرة صهيونية وحرب نفسية، يهدفون من خلالها إلى بثِّ الخوف والذعر في نفوس الناس، ليسلِّموا لهم، ويستسلموا من غير مقاومة تُذكر.

هذا ما يفكرون به ويخططون له، والله سبحانه يقول: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (سورة الأنفال، الآية: 30)، والذي يبدو لي أن سلاح العولمة الذي يحاربون به اليوم هو نفسه سينقلب عليهم، وسيستخدم ضدّ أمانيهم وأهوائهم، ويحقق عليهم النصر المبين.

فها نحن اليوم أصبحنا نشهد إسلام كثير من الأجانب عن طريق وسائل الإعلام- هذه الوسائل التي هي أدوات أساسية في العولمة- وخصوصاً عبر وسيلة الإنترنت.

والواقع والتاريخ والحقيقة تظهر أن الإسلام دين إلهي لا يمكن أن يقهر، وأنه ما شارك في معركة إلا كان المنتصر، حتى لو انهزم المسلمون.

وهذا ما حدث يوم هجوم التتار على المسلمين، فقتلوا وأفسدوا فساداً عظيماً، لكن هذا الجيش الغالب لم يمض على انتصاره إلا أشهر معدودة حتى دخل في دين المغلوب، وصار جيشاً يدافع عن حمى الإسلام، ويقاتل في سبيله.

بغت أمم التتـار فأعقبتهـا         مـن الإيمان عاقبة الأماني

وأصبح عابدو الأصنام قدماً          حماة البيت والركن اليماني

فلا خوف على الإسلام، فالله سبحانه حافظ دينه، “ولكن الخوف على المسلمين، وعلى كل من هم في حكم الضعفاء والمستضعفين من بني البشر أن يعوا ما يستهدفهم، وأن يعملوا ليكون لهم ما يدفع عن عقيدتهم [وثقافتهم] غائلة الشر.

ليس المطلوب الهرب من العولمة أو العالم، فالعولمة ليست الشر المطلق الذي لا بد من أن نتجنبه، أو نتلمس نجاة منه، بل إنها مما يمكن أن نواجه تحدياته بإمكانيتنا ووعينا، وهي في بعض جوانبها تحتوي على إيجابيات قد تعود علينا بالنفع، إذا ما أحسنا تفهمها والانتفاع ببعض معطياتها والاستجابة لتحدياتها…

والعولمة تحتاج منا أولاً وقبل كل شيء إلى الفهم العميق لقوانين العالم المعاصر وقواه ومعارفه وأدواته وسبل الأداء الناجح في ميادينه والاستجابة لتحدياته، وليست نجاة العرب والمسلمين والإسلام، بل والعالم كله بالابتعاد عن معطيات العصر وتجنب تحدياته، لأن العصر بكل بساطة وموضوعية يقتحم الباب علينا بقوة، ولن نكون فيه ما لم نشارك في بناء حضارته، ونتحمل مسؤولياتنا فيه بإيجابية تامة، وما لم نتعامل مع معطياته باقتدار ونجاح.” (علي عقلة عرسان، العولمة والثقافة، مجلة الفكر السياسي، (مرجع سابق)، العددان (4و5)، ص228).

ويؤيد هذه الفكرة كثير من الباحثين العرب، فنحن لا ينبغي أن نحارب العولمة جملة وتفصيلاً، بل نأخذ خيرها، ونترك شرها، ونطبق معها سياسة الانتقاء.

ولكن واقع العولمة اليوم لا يعني العالمية، بل يعني الأمركة وبسط النفوذ الصهيوني، ومحاربة العرب والمسلمين.. يظهر ذلك في الأخبار اليومية، حيث نرى حربهم على المؤسسات الإسلامية الأهلية، والجمعيات الخيرية، وحجرهم على أموال المسلمين داخل بلادهم، والإساءة السافرة إلى الشخصيات الإسلامية البارزة، وما معاملتهم لحليفتهم تركيا إلا شاهد على هذه العدوانية، والأنانية المفرطة.

فعندما يتحدثون عن فتح الحدود وإزالة الحواجز لا يريدون الخير لهم وللآخرين، بل يقصدون أن يجعلوا بلاد المسلمين سوقاً استهلاكية لمنتجاتهم المادية والفكرية..

ولو كانت العولمة تعني في حقيقتها العالمية، وفتح الحدود وكسر الحواجز بين البشر، لكانت مطلباً هاماً للإسلام، فالإسلام ما خاف يوماً من الانفتاح على الآخرين، بل هذا ما يسعى إليه، فالجهاد الإسلامي يهدف من جملة أهدافه إلى فتح طريق الدعوة، وإزالة العقبات بين الإسلام والعباد، ليُتركوا بعد ذلك أحراراً يختارون الدين الذي يشاؤون.

“فقد انتشر الإسلام من جزيرة العرب إلى كافة أرجاء المعمورة، وأقام حضارة راسخة البنيان… لأنه امتزج بالمدنيّات التي سادها، وتكيف معها تكيفاً لم يلغ أسسه المقدسة،” (إعداد دار طويق للنشر، المسلمون في مواجهة البث المباشر، الرياض، دار طويق للنشر، ط1، 1417هـ/1996م، ص66) ولم يحارب حياة الشعوب وعاداتهم وثقافاتهم، بل أبقى على كل ذلك، وأعطاهم من خيره وهداه ونوره، فصاروا جميعاً إخوة مؤمنين متحابين، يستخدمون اسم بلدهم الذي ولدوا فيه للتعارف ليس إلا، واستطاع الإسلام أن يحقق العالمية، وتكون في صالح البشر جميعاً.

ولو أن المسلمين استطاعوا أن يحولوا العولمة لصالح دعوتهم لقدموا بذلك خدمة عظيمة وجليلة للإسلام، فهذه العالمية تكفي المسلمين عناء الجهاد والقتال، وتحقق لهم إلغاء الحدود الإعلامية، وحينها يمكننا القول أننا أصبحنا في العصر الذهبي للدعوة الإسلامية، وأصبحنا في أجمل الظروف لنشر الإسلام.

فمعركة الإسلام اليوم كبيرة وخطيرة، وصار الإسلام بحاجة إلى من يعيش في سبيل الله أكثر من حاجته إلى من يموت في سبيل الله.

 كتبت في 2003م.