ومما سيساهم في زيادة معدلات البطالة مستقبلاً، وخاصة في الدول العربية ذات الكثافة السكانية والمصدرة للعمالة -انحسار فرص هذه العمالة في دول الخليج العربي وإحلال العمالة المحلية مكانها، وفي هذا الإطار تشير دراسة حديثة أعدتها منظمة “الأسكوا” إلى أن عدد سكان الدول الخليجية الست سيصل بحلول العام 2010 إلى نحو 40 مليون نسمة ما سيرفع القوة العاملة فيها إلى حدود 21 مليون نسمة، وبالتالي تناقص فرص العمل أمام العمال الوافدين بشكل عام والعرب بشكل خاص، حيث يبلغ مجموع العمالة الوافدة في الوقت الحاضر نحو 8 ملايين عامل وافد، يشكل العمال غير العرب منهم نسبة 58%.
وتقول دراسة عن واقع العمالة في دول الخليج: إن نسبتها بلغت عام 1997 على التوالي ما يقارب 93%في الإمارات، و84% في الكويت، و76% في قطر، و68% في عمان، و65% في البحرين، و61% في السعودية.
أما بالنسبة لتوزع البطالة –التي تتركز في معظمها في صفوف الشباب- فيأتي العراق في المرتبة الأولى بين الدول العربية وبنسبة بطالة تزيد عن 60% من حجم قوة العمل، فيما يأتي في المرتبة الثانية اليمن وبنسبة 25%، ثم الجزائر 21%، فالأردن 19%، فالسودان 17%، فلبنان والمغرب 15%، فتونس 12%، فمصر 9%، وأخيرا سورية 8%.
أسباب البطالة العربية
ومن أهم الأسباب التي كانت وراء تفاقم هذه الظاهرة -وما تزال- ويمكن اختصارها بالنقاط التالية:
1 – إخفاق خطط التنمية الاقتصادية في الدول العربية على مدار العقود الثلاثة الماضية، وخاصة بعد الفورة النفطية مطلع السبعينيات، فقد جاء في دراسة لمركز دراسات الوحدة العربية أن من أبرز مظاهر إخفاق خطط التنمية الاقتصادية وقوع معظم الدول العربية تحت وطأة المديونية الخارجية التي وصلت عام 1995 إلى نحو 220 مليار دولار، وفي المقابل هروب رؤوس الأموال العربية إلى الخارج التي تقدرها بعض المصادر بأكثر من 800 مليار دولار. وكذلك وجود أكثر من 60 مليون أمي عربي، و9 ملايين طفل لا يتلقون التعليم الابتدائي، و73 مليون تحت خط الفقر، وأكثر من 10 ملايين لا يحصلون على طعام كاف.
2 – غياب التخطيط الاقتصادي المنهجي، وعدم تطابق برامج التعليم في معظم الدول العربية مع الحاجات الفعلية لسوق العمل، علاوة على أن التكوين المنهجي في معظم الدول العربية لم يواكب التطورات التكنولوجية السريعة الجارية في العالم.
3 – تطبيق برامج الخصخصة التي أدت إلى تسريح أعداد كبيرة من العاملين في شركات ومؤسسات القطاع العام.
4 – إخفاق معظم برامج التصحيح الاقتصادي التي طبقتها الدول العربية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي في إحداث أي نمو اقتصادي حقيقي، وبنسب معقولة تساعد على التخفيف من مشكلة البطالة، بل على العكس من ذلك تماماً فقد ساهمت هذه البرامج في زيادة عدد العاطلين عن العمل، وكذلك إفقار قطاعات كبيرة من الشعب نتيجة رفع الدعم عن السلع والخدمات الأساسية.
5 – استنزاف معظم الموارد العربية خلال حقبة ازدهار أسعار النفط في الإنفاق على التسلح، وتمويل الحروب التي اندلعت في المنطقة، وبعد ذلك وقوعها في شراك المديونية وخدمتها الباهظة.
يذكر أن تسارع ظاهرة العولمة ومسارعة الدول العربية للالتحاق بقطار منظمة التجارة العالمية، والاستجابة لشروطها في فتح الأسواق العربية أمام السلع والمنتجات الأجنبية المنافسة -أدى إلى إعلان الكثير من المصانع والشركات الإفلاس كما يحدث الآن في مصر، الأمر الذي يعني اتساع ظاهرة البطالة وبشكل أسرع من السابق.
كما أن العولمة ستؤدي إلى تفاقم ظاهرة الهجرة من الدول العربية إلى الخارج، وخاصة في صفوف الكفاءات والخبرات العلمية المتميزة، الأمر الذي يعني خسارة.
العولمة ، الحداثة، الحضارة …، و تأثيرها على العالم العربي.
نجيم دريكش
التهميش: نجيم دريكش، “العولمة ، الحداثة، الحضارة …، و تأثيرها على العالم العربي.”، نقلا عن مدونات مكتوب، في موقع:
http://nadjim-1.maktoobblog.com.
ثانيا: تأثير العولمة و الحداثة على العالم العربي:
رغم خروج الدول العربية من الاستعمار و مباشرتها لعمليات التحديث و بناء الدولة القومية، إلا أن التاريخ المعاصر يشهد على الأوضاع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التي مرت بها هذه الدول عبر مختلف التحولات الدولية الكبرى حديثا ( الحربين العالميتين و الحرب الباردة و نهايتها ).
و يقر الواقع الحالي لهذه الدول على أنها مازالت تعاني التخلف على مستويات مختلفة و سبب ذلك راجع إلى كون هذه الدول تعرضت للاستعمار المباشر الذي نتجت عنه العديد من الآثار السلبية على المجتمعات العربية. و من جهة أخرى أدى تراجع الاتحاد السوفيتي إلى وضع حرج لأغلب الدول العربية التي كانت تنهج النهج الاشتراكي، حيث تكيفت سلبيا مع هذه التحولات.
و بعد هذه التحولات، كانت ظاهرة العولمة ـ بمظهرها الحاثي الغربي ـ قد أسست لنمط جديد من التفاعلات الدولية التي تسودها هيمنة القطب الواحد في ظ استمرار اتساع الهوة بين الشمال و الجنوب.
-
الانعكاسات السلبية للعولمة :
أ. على المستوى السياسي:
لعل أبرز العوامل والمتغيرات الدولية المعاصرة أو العوامل الخارجية التي دفعت بالبلدان العربية نحو مزيد من التداعي و التراجع، تمثلت في انهيار الاتحاد السوفيتي ـ كما ذكرنا ـ و الهجوم الإمبريالي ضد العراق (المحاصر)، و ولادة مشاريع التسوية العربية / الإسرائيلية و ما تلا ذلك من عمليات التطبيع السياسي للعديد من بلدان النظام العربي مع العدو الصهيوني (15). و هذا ما أدى إلى تفكك و فوضى في النظام العربي الإقليمي.
لقد أدى هذا الوضع إلى تغير في المفاهيم و المبادئ والأهداف،.. حيث انتقل النظام العربي بمجمله من أرضية التحرر الوطني و الاجتماعي كعنوان رئيسي (سابق) إلى أرضية التبعية و الانفتاح و الارتهان السياسي كعنوان جديد.. ، و لم تعد بذلك القضايا العربية الداخلية و الخارجية عموما و القضية الفلسطينية بالذات، تمثل صراعا مصيريا لا يقبل المصالحة بين طرفيه: الإمبريالية العالمية و إسرائيل من جهة، و حركة التحرير الوطني العربية من جهة أخرى. و تحول التنفس و الصراع الأساسي إلى شكل آخر أشبه بالتوافق الرسمي العربي / الأمريكي / الإسرائيلي (16).
إن ما يمكن أن نقوله في هذا الجانب، هو أن الدول العربية قد أصبحت شبه فاقدة للسيادة لعدم قدرتها على تبني أي موقف شجاع و صارم في هذا المجال، نتيجة تبني مبدأ المصلحة القطرية الضيقة الذي زاد في عدم فعالية مؤسسات التكامل و الاندماج العربية.
ب. على المستوى الاقتصادي:
لقد قام بالوظيفة الاقتصادية للعولمة أهم مؤسستين من المؤسسات الدولية التي كرست لخدمة النظام الرأسمالي الراهن، و هاتين المؤسستين هما:
– صندوق النقد الدولي: الذي يشرف على إدارة النظام النقدي العالمي و يقوم بوضع سياساته و قواعده الأساسية، و ذلك بالتنسيق الكامل مع البنك الدولي، سواء في تطبيق برامج الخصخصة و التكيف الهيكلي أو في إدارة القروض و الفوائد و الإشراف على فتح أسواق الدول النامية أمام حركة بضائع و رؤوس أموال البلدان المصنعة.
– منظمة التجارة العالمية: و هي أهم و أخطر مؤسسة من مؤسسات العولمة الاقتصادية، تقوم بالإشراف على إدارة النظام التجاري العالمي الهادف إلى تحرير التجارة الدولية و إزاحة الحواجز الجمركية، و تأمين حرية السوق و تنقل البضائع.. بالتنسيق المباشر وعبر دور مركزي مع للشركات متعددة الجنسية (17).
و رغم محاولة مسايرة و استجابة الدول العربية لإملاءات مؤسسات الحكم الاقتصادي العالمي، إلا أن ذلك لم يكن بالشكل الذي يحمي هذه الدول من مختلف الآثار السلبية، و نبين ذلك من خلال ما يلي:
-
تخلي الحكومات عن القيام بمسؤولية التنمية نتيجة تهميش عمليات التخطيط المركزي المتعلقة بتنمية مختلف القطاعات الحساسة، قابل ذلك فشل القطاع الخاص في سد الفراغ كونه يهدف إلى الربح فقط.
-
العجز في زيادة الادخار المحلي و الفشل في اجتلاب الاستثمار الأجنبي.
-
ندرة التصدير خارج مجال المحروقات.
-
زيادة مظاهر التبعية خاصة في مجال التكنولوجيا و الطاقة البديلة و التقنية، و أحيانا حتى في مجال الغذاء و اللباس.
-
تراجع أو شبه غياب التجارة البينية العربية.
-
تراجع نسبة مساهمة الإنتاج الإجمالي العربي من إجمالي الإنتاج العالمي،( من 3.1 % أي ما يعادل 650 مليار دولار سنة 1993، إلى 2.3 % أي ما يعادل 599 مليار دولار سنة 2000 (18).