النظرية الكمية للنقود

في الفترة الحالية لم تعد المدرسة الكينزية الحديثة تميز الطلب على النقود مثل ذلك التمييز الذي اقترحه كينز ، فلقد أصبح أتباعها ينظرون إلى الطلب على النقود أنه يعتمد على سعر الفائدة والدخل ، ويأخذ المرء تكلفة الفرصة البديلة في الاعتبار حتى عندما يستخدم النقود كأداة للتبادل أو متكأ للحيطة ، ولا يعتقدون أن الاقتصاديات الحديثة تدع مجالاً لمصيدة السيولة .

وقد وسع الاقتصاديان ( بومال ) و ( توبين ) نظرية كينز وأوضحوا أن الطلب على النقود بدافع المعاملات والطوارئ حساس أيضاً للتغيرات في معدل الفائدة وأن هناك علاقة عكسية بينهم ، فكلما كان معدل الفائدة مرتفع وأكبر من التكلفة المصاحبة لشراء السندات يكون المبلغ الموجه بشراء السندات كبير .

وكان هدفهم من إيجاد هذه العلاقة هو تخفيض تكلفة بقاء النقود بشكل سائل لغرض المعاملات والطوارئ من أجل الحصول على أعلى عائد ممكن .

ثالثاً : النظرية الكمية الحديثة للنقود ( النظرية النقدية ) :

قام الاقتصادي الشهير ( ملتون فريدمان ) بإعادة صياغة نظرية الكمية في الطلب على النقود ، وقد تناول فريدمان الطلب على النقود كأصل في حفاظة الثروة الفردية لدى أفراد القطاع العائلي باعتبارهم الحائزين النهائيين لهذه الثروة ، وكأصل في حافظة رأس المال لدى أفراد ومؤسسات القطاع الإنتاجي ، ومهد فريدمان لطرح نظريته في الطلب على النقود بالتساؤل عن سبب احتفاظ الأفراد والمؤسسات بالنقود ، وكانت إجابته احتفاظ الأفراد بالنقود باعتبارها أصل السيولة الذي يؤدي الوظائف التقليدية للنقود ، واحتفاظ مؤسسات الإنتاج بالنقود كأحد أشكال رأس المال المستخدم في العملية الإنتاجية ، وشملت دالة الطلب على النقود أهم العوامل المفسرة لسلوك الطلب على النقود كأصل في حفاظة الثروة وفي حافظة رأس ، وقد اتخذت دالة الطلب على النقود بصياغة ( ملتون فريدمان ) الشكل والعلاقات التالية :

Md/P = f ( yp+ , rb+ , rs+ , rm+ , pe+ , …..)

حيث أن :

Md/p = الطلب الحقيقي على النقود .

yp = الدخل الدائم وهو القيمة الحالية المخصومة لتدفقات الدخل المتوقعة لفترة طويلة في المستقبل .

rb = العائد المتوقع من السندات .

rs = العائد المتوقع من الأسهم .

rm = العائد المتوقع من النقود

pe  = معدل التضخم المتوقع ( وهو بمثابة ضريبة على الاحتفاظ بالنقود ).

لقد أكد فريدمان أن للفرد حرية في اختيار البديل الذي يحتفظ فيه بثروته  ، إذ أن طلبه على النقد يأخذ العوائد من مختلف البدائل في الاعتبار ، فهناك العائد من احتفاظ المرء بالنقود rm ، والعائد من السندات rb ، والعائد من الأسهم rs ، والمفاضلة بين الاحتفاظ بنقد أو بدائل أخرى تعتمد على الفروقات بين العوائد على هذه البدائل والعائد مع الاحتفاظ بالنقد ، فإذا ارتفعت العوائد على السندات والأسهم والأصول الأخرى مقارنة بالعائد من الاحتفاظ بالنقود فإن المرء يفضل البدائل على الاحتفاظ بالنقود مما يقلل من طلبة على النقد ، ويلاحظ من المعادلة أن هناك علاقة عكسية تؤكدها إشارة السالب أعلى العائد على السندات والعائد على الأسهم، والإشارة الموجبة أعلى العائد على النقود ، بين هذه العوائد والطلب على النقود ، فإذا ارتفع العائد على السندات rb فإن المرء يفضل توظيف المزيد من نقوده في السندات ومن ثم يقلل مما يحتفظ به من النقد ، أما بالنسبة للعائد من الاحتفاظ بالنقد rm فإنه يعكس المنافع والخدمات التي يحصل عليها المرء من احتفاظه بالنقد حاضراً لديه أو في حساباته الجارية ، ويعكس pe نسبة التغير في أسعار السلع وهو بمثابة نسبة التضخم الذي تمثل ضريبة على الاحتفاظ بالنقود ، فإذا توقع المرء ارتفاع مستوى الأسعار في المستقبل ومن ثم تناقص القوة الشرائية للنقود ، فإنه سيباشر بإنفاقها واقتناء سلعاً بدلاً عنها وهذا يعني تناقص الطلب على النقود ومن ثم زيادة معدل دورانه .

أخيراً ، الاختلاف بين نظرية كينز ونظرية فريدمان :

  • فريدمان يرى أن الطلب على النقود لا يعتمد إلا على الدخل الدائم ، في حين أن كينز استخدم الدخل الحالي .

  • أن فريدمان لايرى دوراً لسعر الفائدة للتأثير في الطلب على النقود ، وهو ما افترضه فيشر في نظريته الكلاسيكية ، أما كينز فإنه أضاف سعر الفائدة كأهم محدد للطلب على النقود من خلال دافع المضاربة .

  • ترى النظرية الكنزية أن درجة دوران النقود ليست ثابتة بل أنها تتغير طبقاً للتغيرات في سعر الفائدة ، أما النظرية النقدية فترى في استقرار الطلب على النقود استقراراً في درجة دوران النقود ، ويترتب على استقرار درجة دوران النقود أن التغيرات في عرض النقود هي التي تحدد حجم النشاط الاقتصادي.

  • رأى كينز أن التقلبات في سعر الفائدة تؤدي إلى تقلبات في الطلب على النقود من أجل المضاربة ومن ثم في دالة الطلب على النقود . من جانب آخر يلعب سعر الفائدة دور في دالة الطلب على النقود التي اقترحها فريدمان .

  • ينوه فريدمان بأهمية أن تتسم السياسة الحكومية ( نقدية ومالية ) بالاستقرار ، في حين أن كينز يرى أنها مطالبة بالتصدي للتقلبات في جانب الطلب على النقود بغية إبطال عواقبه السلبية على الاقتصاد.

النظم النقدية :

مفهوم النظام النقدي :

يعرف النظام النقدي بأنه مجموعة القواعد التي تتضمن تعيين وحدة التحاسب النقدية وتلك التي تضبط إصدار وسحب النقد الأساسي أو الانتهائي من التداول .

خصائص النظام النقدي :

  • النظام النقدي هو نظام اجتماعي : النظم النقدية هي أدوات اقتصادية تتخذ لتسهيل الإنتاج وتبادل المنتجات وهي تعكس بالضرورة وضع الاقتصاد الذي وجدت لخدمته ، بل هي لاتسير إلا وفقاً له ، فالنظام النقدي في النظام الرأسمالي يختلف عن مثله في النظام الاشتراكي وفي المجتمع الإسلامي .

  • النظام النقدي هو نظام تاريخي : أي يتطور ويتغير حسب تطور وتغير النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي ينتمي إليه النظام التقدمي .

أولاً : قاعدة النقد السلعية ( النظام المعدني ) :

إن قاعدة النقد السلعية هي ذلك النظام الذي يحدد في ظله القانون النقدي سعراً ثابتاً مقاساً بوحدة التحاسب النقدية للوحدة من هذه السلعة أو من كل تلك السلع التي يقع الاختيار عليها قاعدة النقد .

(1) نظام المعدن الواحد :

لقد تمثلت قاعدة النقد السلعية ذات المعدن الواحد في عدة أشكال حسب تطورها التاريخي وهي كالتالي:

  • نظام المسكوكات الذهبية : يمثل هذا النظام الشكل الأول لقاعدة الذهب حيث تداولت في ظله المسكوكات الذهبية إما بمفردها أو جانبها أوراق نقد نائبة أو تداولت إلى جانبها نقوداً اختيارية ولكن في جميع الحالات كانت المسكوكات هي النقد الأساسي والنهائي ، ولكي يتحقق تشغيل هذا النظام يقتضي الأمر توافر شروط معينة نذكرها فيما يلي :

  • تعيين نسبة ثابتة من وحدة النقد المستخدمة وكمية معينة من الذهب ذات وزن معين وعيار معين .

  • وجوب توافر حرية كاملة لسك الذهب بدون مقابل أو بتكلفة طفيفة لكل من يطلب تحويل السبائك الذهبية إلى مسكوكات ( حرية السك ) .

  • وجوب توافر حرية كاملة لصهر المسكوكات الذهبية ( حرية الصهر) .

  • وجوب توافر حرية كاملة لتحويل العملات الأخرى المتداولة إلى النقود الذهبية بالسعر القانوني الثابت للذهب .

  • وجوب توافر حرية لاستيراد وتصدير الذهب .

مزايا نظام المسكوكات الذهبية :

  • يسمح بتداول النقود الأخرى إلى جانب المسكوكات الذهبية مما يؤدي إلى توسع حجم الكتلة النقدية المتداولة .

  • نظام عالمي نظراً لأنه شمل كل دول العالم ولفترة طويلة .

  • إلزامية بتساوي القيمة الشرائية للنقود وللذهب .

عيوب نظام المسكوكات الذهبية :

  • إن تطور هذا النظام يعني اتجاهه نحو احتكار الذهب والسيطرة على السوق وذلك لأن هذا النظام يعني وحدة السوق العالمية .

  • لم يتوسع إنتاج الذهب أمام توسع إنتاجية السلع والخدمات مما أدى إلى ارتفاع الأسعار .

ب – نظام السبائك الذهبية :

أدى تزايد حاجات أفراد المجتمع إلى زيادة طلبهم على النقود في صورة مسكوكات ذهبية ، مما دفع بالبنوك إلى إصدار نقود بغطاء نسبي .

مع قدوم الحرب العالمية الأولى ارتفعت نفقات شراء الأسلحة وتمويل الحرب مما حث إنجلترا وفرنسا وإيطاليا وأمريكا إلى عقد مؤتمر في ( جنوا ) ليتوصلوا إلى نتائج من أهمها :

  • إلغاء نظام المسكوكات الذهبية وتبني نظام السبائك الذهبية بداية من عام 1925 .

  • وضع شروط لعملية سك وصهر العملة .

  • وضع شروط على عملية تحويل النقود الورقية إلى ذهب .

أوجه الاختلاف بين نظام السبائك ونظام المسكوكات :