الدورة الاقتصادية / الأزمة الاقتصادية

الأزمة الاقتصادية

وصف فريدريك أنغلز الأزمة الاقتصادية وصفاً تقليدياً. إذ قال: «تتوقف التجارة، وتزدحم الأسواق، وتتراكم البضائع بكميات هائلة لا طريق لبيعها، ويختفي النقد السائل (السيولة النقدية)، كما يختفي التسليف، ثم تتوقف المصانع، وتفقد جماهير العمال وسائل عيشها، لمجرد أنها كانت قد أنتجت الكثير من هذه الوسائل، بعد هذا تتتالى الإفلاسات، كما تتتالى عمليات البيع القسري. ويستمر هذا الانسداد القاسي سنوات طويلة، فتتدمر القوى المنتجة والمنتجات إجمالاً

حتى الوقت الذي تمتص فيه السوق فائض البضائع المتراكمة أي حتى الوقت الذي يستعيد فيه الإنتاج والتبادل مسيرتهما بالتدريج».

تأتي الأزمة بعد عدة أعوام من الازدهار والصفقات الجيدة، وتعلن الأزمة عن نفسها عندما تبدأ الهمسات هنا وهناك في الصحف والمصفق (البورصة)، وتسري الإشاعات حول إفلاس بعض المؤسسات، وترتفع نسبة الحسم، مما يزيد في صعوبة التسليف. وتتوضح الأزمة عندما تزداد أخبار الإفلاسات، ويبدأ البحث لمعرفة مَن المسؤول عن حدوث الأزمة، أهي المصارف أم رجال الأعمال، أم رجال البورصة، أم أصحاب المصانع. ويحاول العاملون في البورصة أن يحمّلوا الصناعيين المسؤولية، ويُرجع هؤلاء السبب إلى شح النقد المتداول في البلد وهكذا.

أصبحت الأزمة الدورية المعاصرة ذات طبيعة مركبة، وبرز عدد من الأزمات العالمية منذ سبعينات القرن العشرين مثل: أزمة النظام النقدي الدولي، وأزمة الطاقة والخامات، وأزمة الدين الخارجي، وأزمة الغذاء وأزمة البيئة، وتشابكت هذه الأزمات الهيكلية لتؤلف الأزمة الدورية وتزيدها  تعقيداً، وبات الخروج منها أصعب بكثير من ذي قبل. وتنعكس الأزمات الهيكلية بصفة خاصة في صورة بطالة هيكلية، وعجز هيكلي في الموازنات العامة، وميل إلى التضخم مع الركود.

لا سبيل إلى فهم الأزمة الممتدة منذ السبعينات إلا في ضوء التغيرات الهيكلية الجارية في الاقتصاد الرأسمالي العالمي. فالظاهرة الهيكلية البارزة هي تشابك الأزمة الدورية مع الأزمات الهيكلية التي يبحث رأس المال الدولي عن مخرج منها عن طريق ترشيد الإنتاج على أساس منجزات الثورة العلمية والتقنية.

ومن ثم تشابكت الظواهر ذات الطابع الدوري مع الأزمة الهيكلية الطويلة الأمد، ومع الركود في الفروع القاعدية للاقتصاد الرأسمالي.

wwwwwwwwwwwwwww

نظريات الأزمات الدورية

نظريات الأزمات الدورية

لم يتمكن آدم سميث وديفيد ريكاردو من كشف تناقضات الاقتصاد الرأسمالي العميقة وفهمها التي تظهر في أوضح صورها بالأزمات الاقتصادية الدورية العامة. فقد أكد ريكاردو أن الإنتاج الرأسمالي يتمتع بمقدرة على التوسع لا حد لها، مادامت زيادة الإنتاج تؤدي آلياً إلى زيادة الاستهلاك، ولهذا فلا مكان لفيض الإنتاج العام. وبناء على هذه النظرية لا يمكن حدوث غير توقف عفوي في تصريف بعض السلع ناشئ عن عدم تناسق جزئي في توزيع العمل الاجتماعي بين فروع الإنتاج، وإن القضاء على عدم التناسق هذا حتمي بفعل ميكانيكية المزاحمة. ولكن سيسموندي الذي جاء بعد ريكاردو توصل إلى كشف بعض التناقضات التي تعترض الاقتصاد الرأسمالي، وإن لم يتمكن من تقويم طبيعتها تقويماً دقيقاً.

وضع سيسموندي نظرية حول الأزمات الاقتصادية أضحت فيما بعد أساساً قامت عليه مجموعة من النظريات الأخرى. فهو يُرجع الأزمة إلى الاستهلاك الضعيف، أو إلى عدم إشباعه. وقد استند سيسموندي إلى بعض أفكار آدم سميث الأساسية، واستنتج، أن على الإنتاج أن يتوافق مع الاستهلاك، وأن الإنتاج يتحدد بالدخل. ورأى أن الأزمة نتيجة لاختلال هذا التناسب، أي نتيجة للإفراط في الإنتاج الذي يسبق الاستهلاك. وأن أساس الأزمة يكمن خارج الإنتاج، وخاصة عندما تتوضح في التناقض بين الإنتاج والاستهلاك. وأوضح سيسموندي أن الإنتاج يتحدد بالدخل، وأنه هو الهدف الوحيد لتراكم الإنتاج، لذلك يجب على الإنتاج أن يلائم الاستهلاك. وأكد أن تطور الرأسمالية يؤدي إلى إفلاس المنتج الصغير، وإلى تفاقم أوضاع العمال المأجورين، وقد أكد أيضاً أن توسيع الإنتاج، يصطدم بحدود لا يستطيع التغلب عليها، لأن تضاؤل استهلاك الجماهير، سيقلل من إمكان تصريف الإنتاج ويقلل من إمكان تحقيق أرباح أصحاب رأس المال.

وقد حاولت هذه النظرية فيما يبدو أن تعطي تفسيراً ظاهرياً صحيحاً للأزمة، ولكنها لم تبحث في أسباب تدني الأجور ولافي أسباب سوء توزيع الدخل الذي يقود إلى نقص الاستهلاك الذي يؤدي بدوره إلى حدوث الأزمة.

يفسر ماركس الأزمات الاقتصادية بالتناقضات الرئيسة في الاقتصاد الرأسمالي التي تتسبب في حدوث الأزمات الدورية العامة. وأكدت هذه النظرية أن السبب الرئيس في حدوث الأزمة وجود تناقض في الإنتاج الرأسمالي، أي التناقض بين الطابع الاجتماعي للإنتاج والملكية الرأسمالية  لوسائل الإنتاج.

ولم تنفِ النظرية الماركسية وجود تناقض بين الإنتاج والاستهلاك في الاقتصاد الرأسمالي، بل حاولت أن تضع هذا التناقض في موقعه المناسب في

تفسير الأزمة الدورية، وترى النظرية الماركسية أن تحليل التناقضات العميقة الملازمة لجوهر أسلوب الإنتاج الرأسمالي يظهر كيف يتم الانتقال الديالكتيكي من إمكان حدوث الأزمات إلى واقعها، إلى حتمية الأزمات في ظل الرأسمالية.

ويفسر كينز الأزمات الاقتصادية بعدم كفاية الطلب، ويؤكد أن سبب الأزمة يكمن في القوانين النفسية التي لا تتبدل ومنها «قانون ميل الناس إلى التوفير». وهكذا يربط كينز السبب الرئيس للأزمة بخصائص طبيعة الإنسان التي لا تتبدل، وفوضى الروح الإنسانية، بدلاً من ربطها بخصائص الاقتصاد الرأسمالي النوعية.

ويوضح كينز أن مجموع استهلاك المجتمع يتأخر دائماً عن نمو مجموع الدخل الحقيقي، نتيجة خصائص الأفراد النفسية، ويطالب الدولة بالتدخل لحل قضية استخدام أكبر عدد ممكن من اليد العاملة (نظرية الاستخدام الكامل). وهو يعتقد أن معالجة الأزمات الاقتصادية لا يتم إلا بتدخل الدولة في الحياة الاقتصادية تدخلاً فعالاً، عن طريق تنظيم مقدار الاستهلاك العام والتوظيفات، باستعمال عدد من الأدوات من بينها السياسة الضريبية ورفع معدل الحسم، وغير ذلك.

 

Related Posts