انتاج السكر في مصر

كيف تحولت مصر من الاكتفاء الذاتى من السكر إلى فجوة إنتاجية تحتاج مليون طن سنويا.. الزيادة السكانية تلتهم الإنتاج.. 118.4% نسبة الاكتفاء الذاتى عام 1972 تتحول لـ55.4% بعد الانفتاح فى 1980
السبت، 11 مارس 2017 م
المزارع البسيط الذى يعانى من انخفاض أسعار توريد محصول القصب والبنجر، ويفضل بيعه لمن يدفع أكثر، مرورا بمصنعى الحلوى الذين لم تعد خطوط الإنتاج المتاحة حاليا قادرة على الصمود أمام زيادة الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك.

أما المستورد فيكفى معرفة حجم العشوائية المرتبطة بقرارات الاستيراد وعملها دون ضوابط محددة تخدم احتياجات السوق، و أخيرا المواطن الذى لا يرى فى استهلاكه لـ 34 كيلو سكر سنويا أمرا مثيرا للدهشة!.

على مدار 44 عاما تحول المشهد فى مصر من دولة لديها اكتفاء ذاتى من السكر يصل الى نسبة 118% إلى دولة تعانى من أزمة حقيقة لهذه السلعة الاستراتيجية التى لا يستغنى عنها أى بيت فى مصر، وأرجعت الحكومة فى تصريحاتها سبب الأزمة بشكل رئيسى إلى ارتفاع الأسعار العالمية، وانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار خاصة فى السوق السوداء قبل عملية التعويم، وعدم قدرة المستوردين على استيراد الكميات المعتادة بسبب ذلك.

ومع التسليم بمدى تأثير هذه العوامل فى حدوث هذه الأزمة التى بلغت ذروتها فى أكتوبر الماضى، إلا أن هناك عوامل أخرى كثيرة وقفت وراء استيرادنا الى ثلث احتياجاتنا من السكر من الخارج، لعل أهمها الزيادة السكانية الكبيرة التى لم تتمكن زيادة الإنتاج المحلى من احتوائها وزيادة معدلات استهلاك السكر، بالإضافة لأزمات يعانى منها القطاعين الزراعى والصناعى المنتج للسكر، يجعلهما غير قادرين على تلبية احتياجات المواطنين فى ظل استمرار وضعهما الراهن.

حلقات الاستيراد والتداول لم تكن بعيدة عن الأزمة بدورها، حيث يلعب الاحتكار دورا بارزا فى الأزمة ساهم فيها ما أسماه الخبراء “فوضى العملية الاستيرادية” التى تسببت فى قيام الشركات المستوردة بإعادة تصدير كمية كبيرة مما استوردوه عام 2015 إلى الخارج مرة أخرى للاستفادة من زيادة الأسعار العالمية وتدنى قيمة الجنيه، ولم تفلح إجراءات الحكومة بفرض رسم صادر على السكر فى وقف عمليات التصدير وإعادة التصدير التى قام بها القطاع الخاص العام الماضى، وهو ما سنكشف تفاصيله فى الملف التالى.

الزيادة السكانية الهائلة تبتلع إنتاج السكر فى مصر ..
118.4% نسبة الاكتفاء الذاتى من السكر عام 1972 تتحول إلى 55.4% بعد الانفتاح فى 1980
اتسعت الفجوة بين إنتاج السكر والزيادة السكانية المطردة خلال الأربعين عامًا الماضية، وذلك اعتبارًا من عام 1972 الذى بلغ فيه حجم إنتاج السكر الأبيض حوالى 593 ألف طن، وقت أن كان عدد سكان مصر 30.1 مليون نسمة، وظل كلاهما فى ارتفاع حتى بلغ حجم الإنتاج 2.2 مليون طن سكر تقريبًا عام 2016، بنسبة زيادة قدرها 270%، مقارنة بالسنة الأولى للدراسة، ولكن ابتلعت الزيادة السكانية هذه الزيادة، حتى اتسعت الفجوة بين حجم الإنتاج والاستهلاك من صفر عام 1972 إلى 964 ألف طن عام 2016.

ويلاحظ الزيادة المتسارعة فى حجم استهلاك السكر، والذى قفز من 501 ألف طن عام 1972 إلى 3.2 مليون طن تقريبًا عام 2016، وهى زيادة تفوق حجم الإنتاج المحلى، الذى ارتفع من 593 ألف طن عام 1972 إلى 2.2 مليون طن تقريبًا عام 2016.

وبالتالى تسبب فى اتساع الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، والتى تحتاج مصر لسدها من خلال الاستيراد، حيث قفزت من صفر عام 1972 الذى شهد اكتفاء ذاتيًا من إنتاج السكر المحلى، لتتحول مصر إلى العجز واتساع الفجوة إلى 964 ألف طن عام 2016.

وتظهر البيانات الصادرة عن مجلس المحاصيل السكرية بوزارة الزراعة حدوث زيادة فى معدلات استهلاك الفرد من السكر سنويًا، لتقفز من 16.6 كيلو جرام إلى 34 كيلوجرامًا، وهو ما يفوق المعدلات العالمية التى تسجل 22 كيلوجرامًا للفرد سنويًا، أو المعدل الصحى الذى يصل إلى 24 كيلوجرامًا سنويًا، وهو ما أرجعه الدكتور عبدالوهاب علام، رئيس المجلس، إلى بداية عصر الانفتاح فى نهاية السبعينيات، وتحول المواطنين إلى النمط الاستهلاكى لجميع السلع.

تطور معدل استهلاك الفرد من السكر الأبيض بالكيلو جرام سنويًا
جميع العوامل السابقة أدت إلى تحول مصر من الاكتفاء الذاتى من الإنتاج المحلى للسكر بنسبة 118.4% عام 1972، إلى العجز وتطور الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، لتصل نسبة الاكتفاء الذاتى إلى 69.5% عام 2016.

تطور نسبة الاكتفاء الذاتى من الإنتاج المحلى للسكر الأبيض
ولكى تعكس البيانات الواقع، استطلعت «اليوم السابع» آراء ثلاث ربات بيوت حول استهلاكهن من السكر، وعكست إجاباتهن جميعًا الطبيعة الاستهلاكية لهذه السلعة لدى الكثير من الأسر، خاصة التى لديها بطاقات تموينية، حيث قالت الأولى سعاد محمود، ربة أسرة مكونة من 5 أفراد، إن استهلاكهم من السكر شهريًا يصل إلى 8 كيلوجرامات فى حالة عدم قيامهم بصنع حلويات منزلية، أما إذا صنعت بعض الحلويات فيصل هذا المعدل إلى 13 كيلوجرامًا فى الشهر الواحد، ولكنها سلمت بقيامهم بترشيد هذا الاستهلاك نظرًا للأزمة، خاصة مع تسلمها كيلو واحدًا فقط لكل شخص على بطاقة التموين، وارتفاع سعر السكر فى السوق الحرة ليصل إلى 14 جنيهًا للكيلو.

هذا الأسلوب فى استهلاك السكر اتفقت عليه كل من صباح سلامة، وناهد منسى، فالأولى ربة منزل لأسرة مكونة من 7 أفراد تحافظ على كمية السكر التى تحصل عليها من التموين شهريًا رغم الأزمة، بواقع 10 كيلوجرامات، حتى وإن لم تستهلك الكمية بأكملها، أما الثانية وهى ربة منزل لأسرة من 5 أفراد فتستهلك من 5 إلى 7 كيلو سكر تموينى شهريًا، وتضطر لشراء باقى الكمية بواقع كيلو أو اثنين من السوق الحرة شهريًا.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *