إدارة الأرباح وتعارض المصالح بالشركات المساهمة

إدارة الأرباح وتعارض المصالح بالشركات المساهمة

       لقد شهد الاقتصاد العالمي مع نهاية القرن العشرين العديد من التطورات التى تحمل الكثير من

         صور التحدى للقدرات البشرية في إيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية المعاصرة خاصة مع التطور الكبير في

        دور الأسواق المالية في تنمية اقتصاديات الدول . ونتيجة لتزايد العولمة فى نشاط الشركات في

مختلف دول العالم , والتطور المتزايد والمستمر فى العمليات المالية , فقد حدثت بعض الانهيارات المالية المفاجئة في بعض أسواق المال بسبب فشل العديد من تلك الأسواق بالتقيد بالأعراف وأساليب الضبط المقيدة لعملياتها .

       إن الأزمات المالية التى إجتاحت الكثير من الشركات سواءً فى الولايات المتحدة الأمريكية أوفى غيرها من الدول على مدار العشرين عاماً الماضية , قد أثارت المخاوف لدى المساهمين وأصحاب حقوق الملكية فى الدور الذى تقدمه مجالس الإدارات فى مراقبة ومتابعة العمليات المالية وبالتالى حماية الشركات من الغش والتلاعب. لذا فقد تضافرت الدول فى إصدار التشريعات والتنظيمات فى محاولة لإتخاذ التدابير اللازمة لصالح المساهمين بما يحافظ على إستثماراتهم ورؤوس أموالهم . كذلك بدأت الشركات الكبرى فى تطوير آليات العمل بها سواءً عن طريق إعادة التنظيم الداخلى للشركة أوالتنظيم الخارجى فى تعاملها مع الغير من أصحاب المصالح مع المنشأة وبما لايدعوا إلى تعارض المصالح .

   وإذا كان فصل الملكية عن الإدارة فى الشركات المساهمة فى ظل نظرية الوكالة أدى الى ظهور مايعرف بتعارض المصالح. إذ قد تسعى إدارة الشركة الى زيادة إستخدام موارد الشركة إلى الحد الذى يزيد من الأرباح ولكن بنسب أقل من الاستخدام الكامل لموارد وإمكانات الشركة, الأمر الذى يعنى إنخفاض العائد على الأستثمار وبالتالى فقد تحقق لإدارة الشركة مرادها من خلال تعظيم الأرباح التشغيلية ولكن مع إنخفاض قيمة الشركة على المدى الطويل مما يضر بمصالح الملاك والمساهمين.أوقد تلجأ الادارة فى سعيها الى تحقيق أقصى ربح ممكن الى تجاهل المخاطر الناتجة عن الإستثمار مما قد يضر بمصالح المساهمين فى تعرضهم لمخاطر الفشل المالى, وهنا يسعى المساهمون دائما من خلال مجلس الإدارة المنتخب من قبلهم الى الرقابة المستمرة والتدخل أحيانا بقوة القانون اذا لم يعمل المديرون لمصلحة المساهمين, إذ أن الشركة المساهمة ومديروها خاضعون للتدقيق والرقابة المتخصصة من قبل الجهات الإشرافية المعنية. مما يدفع المديرون دائماً الى التركيز على مفهوم تعظيم قيمة المنشأة من خلال صنع قرارات تهدف الى تعظيم القيمة.

غير أن إعداد القوائم المالية للشركات وإن كان يتم وفقا للقواعد المنظمة لهذا الشأن وإستنادا إلى معايير المحاسبة المحلية والدولية المتعارف عليها , إلا ان هذه المعايير تسمح باستخدام أساليب وطرق محاسبيه مختلفة لمعالجه نفس الأحداث والظواهر الإقتصادية ، وبالتالي فان مرونة اختيار الإدارة للتقديرات المحاسبية قد ينتج عنه قوائم ماليه مختلفة لنفس الأحداث الاقتصادية وينعكس اختيار اى من هذه البدائل بدوره على جوده نتائج القياس المحاسبى ومن ثم جودة الأرباح .

وفى ظل تفويض المساهمين للإدارة لسلطة اتخاذ القرارات يمكن للإدارة من استغلال المرونة التى توفرها المعايير المحاسبية مما يترتب عليه القيام بالاختيار من بين البدائل المحاسبية الخاصة بالشركة ، وقد يتولد لدى المديرين دافعا قويا لاختيار الطرق والبدائل المحاسبية التي من شانها تعظيم منفعتهم الشخصية الحالية والمستقبلية وذلك من خلال ما يسمى بعمليه إدارة الأرباح (Earning Management)

ولهذا فقد جرت العديد من المحاولات من قبل الهيئات المهنية للتقليل من عملية إدارة الأرباح عن طريق وضع معايير محاسبية أكثر إحكاماً ، مع النظر فى العديد من البدائل المحاسبية المتاحة ( المعالجات البديلة ) وتضييق الخناق فى تطبيقها للحد من ظاهرة إدارة الأرباح . ومن تلك المحاولات ما أجازت به الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين للشركات من إمكانية إعادة تقييم أصولها غير المتداولة باستخدام خصائص أخرى للقياس تختلف عن التكلفة التاريخية مثل القيمة الجارية (القيمة العادلة)، وفقا لمعايير المحاسبة المالية الدولية في المواضيع التي لم تشملها معايير المحاسبة السعودية. واشترطت لذلك خمسة ضوابط لتحديد القيمة الجارية (القيمة العادلة) للأصول غير المتداولة، لكنها أوجبت الالتزام بنموذج التكلفة التاريخية كأساس لتقييم الأصول غير المتداولة (على سبيل المثال، الاستثمارات العقارية والأصول الحيوية) في صلب القوائم المالية الا في حدود ما ورد في المعايير السعودية التفصيلية لكل موضوع, وذلك كخطوة للحد من إستخدام تلك المعالجات البديلة فى إدارة الأرباح .

ويمكن الاشارة لمفهوم عملية إدارة الأرباح على أنها عبارة عن الاستخدام السيىء للمرونة التى توفرها الإجراءات والمبادىء والمفاهيم والمعايير المحاسبية والتي يمارسها الماليون بالشركات دون تجاوز بهدف التلاعب بالأرقام المالية لخدمة فئات محددة من أصحاب المصالح بالشركة على حساب فئات أخرى من أصحاب المصالح بالشركة .

     ومن الصور الجلية لإدارة الأرباح مسايرتها للتنبؤات , حيث يتم تقييم ممارسات وأداء أعضاء مجالس الإدارة على أساس التوقعات والتنبؤات التي يتم وضعها عند بداية العام أو عند إستلام المهام ودفة الأمور بالشركة ، لذا فانه يتم إدارة الإرباح بالنسق الذى يساير التنبؤات المالية المنشورة سلفا, فإذا ما تحققت التنبؤات الموضوعة فان ذلك يعني ان واضعي التنبؤات على مستو عال من المهارة والكفاءة المهنية . مما يعكس أثر تلك النتائج المسايرة للتنبؤات على أتجاهات المحللين الماليين وهو مايؤثر بشكل ما على إتجاهات أسعار الأسهم .

   كذلك فإن تحقيق المنافع الشخصية للمديرين يعد أحد العوامل الرئيسية فى إدارة الأرباح خاصة إذا ما كانت تلك المنافع مرتبطة بتحقيق رقم مبيعات محدد أو صافى ربح محقق , أو تجاوز سعر السهم لحد معين , وهو ما يسعى المديرين إلى تحقيه مستغلين فى ذلك إدارة الارباح بكافة الطرق والبدائل المحاسبية التى تعينهم على تحقيق غاياتهم بغض النظر عن التأثير المستقبلى لتلك الممارسات على المركز المالى للشركة . كذلك سعى ادارة الشركة على الابقاء على معدلات صافى الدخل عند حدود معينة لاتنزل عنها , بحيث يكون هناك إنسجام فى النتائج المالية للشركة على مدى سلسلة زمنية بحيث يكون الاتجاه الغالب هو الصعود لصافى الدخل أو ان يكون الهبوط بصورة إستثنائية وفق حدود محددة سلفا ,هو ما يعرف عادة بتمهيد الدخل .

    ومن الصور الشائعة لإدارة الأرباح التمويل خارج الميزانية ومن الأمثلة الواضحة على ذلك عقد الايجار طويل الاجل الذى لايتم الغاؤه والذى يثبت فى دفاتر الشركة على أنه عقد ايجار تشغيلى لعدم إستيفائه شروط عقد الايجار الرأسمالى , وعليه لاتظهر قيمة العقد الحالية فى ميزانية الشركة بجانب الأصول وبالتبعية لايظهر ما يقابله من التزام على الشركة ضمن جانب الخصوم , والهدف من تلك الممارسة هو تحسين نسبة مديونية الشركة وكذلك تجنب تحول المخاطر المرتبطة بالعقد الى الشركة ( المستأجر ).   

       كذلك من الصور الشائعة فى إدارة الارباح إنجاز تسجيل الإيرادات قبل إكتمال الخدمة , حيث يتم الإعتراف بالإيراد وقت آداء الخدمة وقبل الانتهاء منها , متجنبا بذلك العديد من الامور المرتبطة بالملاءة المالية للعميل والقدرة على السداد وهو ما يؤدى الى تجاهل الكثير من المصروفات المرتبطة بتحقق ذلك الايراد مما يضر بمبدأ المقابلة بين الايرادات والمصروفات .

      أما فى جانب المصروفات فقد أتاحت العديد من السياسات المحاسبية للحكم والتقدير الشخصى التدخل فى معالجة بعض المصروفات المرتبطة بإيرادات مستقبلية , فأتاحت تلك السياسات إمكانية نفاد تلك المصروفات على عدد من السنوات المستقبلية – المصروفات الإيرادية المؤجلة – دون تحميلها كاملة على سنة الصرف ومن ذلك مصروفات الحملات الدعائية الكبرى , , وهو مايعنى نقل عبء تحمل تلك المصروفات الى عدد من السنوات المستقبلية التى عادة ما ترتبط بحكم تقديرى وشخصى . كذلك أتجاه

الادارة نحو تخفيض أو زيادة معدلات ( نسبة ) إهلاك الاصول الثابتة أو زيادة أوتخفيض العمر الإنتاجى للأصل ومن ثم تخفيض أوزيادة مصروفات الإهلاك المحملة على قائمة الدخل وذلك بما يتناسب وإتجاهات إدارة الشركة فى ادارة الأرباح . كذلك ما يتعلق بمصروفات الصيانة إذ يجب اعتبار مصاريف الصيانه العاديه مصاريف دوريه تحمل على السنة المالية اما مصاريف الصيانه غير العاديه فتعتبر مصروف رأسمالى ( يتم رسملتها ) تحمل على الاصل موضوع الصيانه ويمكن لإدارة الشركة تدعيم الارباح الحاليه من خلال معالجه مصاريف الصيانه العاديه كمصاريف غير عاديه( رأسمالية ) . كذلك يجب ان يظهر حساب العملاء بالقيمه الصافيه القابله للتحقق , وبالتالى يمكن لإدارة الشركة ان تستخدم تقديرات متفائله للقيم القابله للتحصيل بغرض تخفيض مخصص الديون المشكوك فيها ومن ثم زيادة الأرباح .

   ومن خلال سرد تلك الأمثلة يتضح ان هناك تباين فى الدوافع للاداره للتاثير على الربح , حيث يمكن لإدارة الشركة ان تقوم باتخاذ قرارات من شانها التاثير أيجابا او سلبا على صافى الربح , وهذا السلوك يتم تبنيه من قبل الاداره إما بسب تخفيض الارباح لتخفيض العبء الضريبى أو الزكوى المحمل على الشركة وهو مالاتنصرف إليه إدارة الشركات فى المملكة العربية السعودية فى أغلب الاحوال. أو زيادة الارباح لزيادة قيمة المكافآت التى سوف تستحقها الاداره بناءا على الربح المحقق. أو سعى ادارة الشركة الى تمهيد الارباح لتحقيق إستقرار أسعار أسهم الشركة فى البورصه.

 

 

 

   ومع أن الأساليب المستخدمة فى إدارة الأرباح من قبل إدارة الشركة تعد من وجهة نظرهم مشروعه استنادا الى المبرر الذى مفاده أن إدارة الشركة لا تخالف المبادئ المحاسبسه المتعارف عليها.

وبالتالى فإن مايتحقق من نتائج إنما هو محصلة إيجابية لمجهوداتهم حتى وإن إنطوى ذلك على

تحقيق منافع ذاتيه للاداره (زيادة المكافات فى الحاضر او فى المستقبل) مقابل ضمان بقاء واستمرار الشركة فى سوق المنافسه . إلا أنهم قد غفلوا عن بديهية يسيطة أنه على الرغم من أن إدارة الأرباح تحقق منافع للشركة في الأجل القصير إلا أنها تؤدي إلى مشاكل خطيرة في الأجل الطويل ، ومن أهم هذه المشاكل

    إنخفاض القيمة السوقية للشركة .

    تلاشي المعايير الأخلاقية .

    العقوبات الاقتصادية وإعادة إعداد القوائم المالية بشكل خالى من التشوهات المالية .

    إخفاء مشاكل الإدارة التشغيلية عن المساهمين .

    زعزعة الإستقرار والثقة فى سوق الأسهم .    ومن هنا يتحتم إعادة النظر فى تلك المعايير المحاسبية التى تتيح الإختيار من بين البدائل فى التطبيق وذلك للحد من إستخدام المعالجات المحاسبية البديلة أو تلك المعايير التى تحقق قدرا كبيرا من السماح للاداره باستخدام احكامها التقديريه بشان العديد من المعالجات المحاسبيه , حيث ان المساحه الممنوحه حاليا للاختيار والتقدير الحكمى للاداره فى العديد من الامور المحاسبيه تقود الى تشويه عملية التوصيل المحاسبى وتضر أصحاب المصالح من داخل وخارج الشركة .

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *