البوليمر ح 1.. ثورة متجدِّدة بعد 100 عام على اكتشافه

البوليمر ح 1.. ثورة متجدِّدة بعد 100 عام على اكتشافه

تُعدُّ هندسة المواد من أقدم العلوم التطبيقية في التاريخ. فمن استخدام النار وصناعة الخزف في العالم القديم، إلى التعدين في العصر البرونزي، نشأ لاحقاً علم المواد الحديث. ومنذ ستينيات القرن العشرين، لم يعد هذا العلم مقتصراً على المعادن، بل أصبح يضم كل أنواع المواد التي يمكن تصنيفها إلى ثلاث مجموعاتٍ متميزة: الخزفيات (السيراميك) والمعادن والبوليمرات

هناك فكرة عامة خاطئة حول تعريف البوليمرات على أنها مواد بلاستيكية، وبالتالي يمكن أن تلحق الضرر بالبيئة. إن البلاستيك عبارة عن فئة واحدة من فئات البوليمر؛ وليست جميع البوليمرات مواد بلاستيكية.

كان التطوُّر العلمي الأول، على الصعيد النظري، قد حدث في القرن التاسع عشر مع التقدُّم في علم الفيزياء والكيمياء والرياضيات، وفهم أسباب الخصائص المختلفة لكل مادة عن الأخرى. وذلك عندما أوضح العالِم الأمريكي جوشيا ويلارد جيبس 1903-1939م أن هذه الخصائص الفيزيائية للمادة مردّها إلى الخصائص الديناميكية الحرارية المتعلِّقة بتركيب ذرات هذه المواد في مراحل مختلفة. فتح ذلك الباب واسعاً لتصنيع مواد جديدة ليست موجودة في الطبيعة.

انطلاقاً من كل ذلك، يشهد العالم حديثاً تطوراً سريعاً في علم وهندسة المواد، حيث أصبح من الممكن تحضير وتصميم مواد عالية الأداء لها خصائص متفرِّدة تحتاجها تقنيات وصناعات حديثة. وقد نشأ مصطلح جديد في علم المواد لم يُعرف من قبل، هو المواد المتقدِّمة أو الخارقة (Metamaterial) وهي مواد جديدة تم تطويرها، لها وظائف تتجاوز تلك الموجودة في المواد الطبيعية. أحدث ذلك ثورة حوَّلت العالَم من مستهلك يعتمد على المواد الخام الطبيعية، إلى عالَم مُنتج لمواد جديدة لها صفات رائعة كتلك التي يتمتع بها البوليمر.

مئة عام على اكتشاف البوليمر

يحتفل مجتمع الكيمياء وعلم البوليمر على وجه الخصوص هذه السنة بمرور 100 عام على ظهور علم الجزيئات الكبيرة (Macromolecules) أو كما هي شائعةٌ تسميته: البوليمر (Polymer). فقبل قرن من الزمن وبالتحديد في عام 1921م قام العالِم الألماني هيرمان ستودنجر بتأسيس المفهوم الحاضر لنظرية تكوُّن البوليمرات، وتُعدُّ ورقته العلمية التي عنونها بـ”On Polymerization” ونشرها في “مجلة الكيمياء التطبيقية” أول ورقة تُنشر في هذا المجال لترسم خارطة الطريق لابتكارات واكتشافات وصناعات غيَّرت وجه العالم.

والبوليمر نوعان: البوليمر الطبيعي والبوليمر الاصطناعي.

البوليمر الطبيعي

من أشهر البوليمرات الطبيعية، المطاط أو اللاتكس وهو بوليمر هيدروكربوني طبيعي موجود في عصارة بعض النباتات. كما أن عديداً من الجزيئات البيولوجية هي أمثلة على البوليمرات الطبيعية، مثل الكربوهيدرات: النشا، والسليلوز والجليكوجين، والبوليمرات التي تتكوَّن أجزاؤها من المونومرات (جزيئات أحادية لها القدرة على الارتباط الكيميائي مع الجزيئات الأخرى في سلسلة طويلة) كالأحماض النووية DNA وRNA المتكوِّنة من 4 نيوكليوتيدات كوحدات مختلفة. وقد ألهمت هذه البوليمرات الطبيعية الباحثين والعلماء في عملية تحضيرها وتقليد أشكالها البنائية كمحاولة لتصنيعها وإنتاجها بشكل أكبر وتقديمها للسوق.

البوليمر الاصطناعي

البوليمرات الاصطناعية الأكثر شيوعاً هي المواد البلاستيكية مثل البولي إيثيلين والنايلون والبوليسترين أو البولي يوريثان أو البولي أميدات. كما أصبحت البوليمرات الاصطناعية المصنوعة من أحماض الجليكوليك واللاكتيك وغيرها من المواد القابلة للتحلل الحيوي شائعة بشكل متزايد في التطبيقات الطبية الحيوية. بالإضافة إلى ذلك يوجد في الوقت الحاضر مواد بلاستيكية قابلة للتحلل يمكن استخدامها كبديل.

وتُعرف البوليمرات التي يصنعها الإنسان والتي تتفاعل مع محيطها بالبوليمرات الذكية، أو البوليمرات المستجيبة للظروف المحيطة بها مثل درجة الحرارة والحامضية، ويمكن استخدامها لمجموعة متنوِّعة من الأغراض في تكنولوجيا الطب الحيوي، ولعبت البوليمرات الاصطناعية دوراً مهماً في العالَم حيث توجد على سبيل المثال لا الحصر في الزراعة والطب والتكنولوجيا والرياضة والصناعة وغير ذلك.

وقد يتبادر إلى الذهن سؤال حول سبب وجود البوليمرات في كل مكان في الحياة اليومية. والإجابه بكل بساطة هي أن خواص المواد البوليمرية الكيميائية منها والفيزيائية متعدِّدة ومتنوِّعة ويمكن تعديلها لتكون مجدية وتفي بالطلب اليومي مقابل رخص ثمنها مقارنة مع المواد البديلة كالخشب والزجاج والجلد وغيرها. في الواقع من المستحيل تخيل حياتنا اليوم بدون بوليمرات.

يبقى موضوع الاستدامة ما يؤرِّق الجميع، باحثين وغيرهم. يُعدُّ بولي حمض اللاكتيك والبوليمرات المتفككة حيوياً والبوليمرات الخالية من بيسفينول، المستخدمة في تغليف الأطعمة من الأمثلة التي تؤكد حرص مجتمع البوليمر على الاستدامة.

البوليمر وسلبيات البلاستيك

هناك فكرة عامة خاطئة حول تعريف البوليمرات على أنها مواد بلاستيكية؛ وبالتالي يمكن أن تلحق الضرر بالبيئة. إن البلاستيك عبارة عن فئة واحدة من فئات البوليمر؛ وليست جميع البوليمرات مواد بلاستيكية. ولعل أحداث 2020م وجائحة وباء كورونا كشفت بشكل جلي أهمية البوليمر كمنتجات طبية وقائية (ذات الاستخدام الواحد) تم الاعتماد عليها بشكل كبير في عملية التصدي لانتشار الوباء من خلال الاستخدام العام للكمامات والألبسة الوقائية للعاملين في المجال الصحي.

التركيب الكيميائي للبوليمر

البوليمر مركب كيميائي يتألَّف من وحدات أو جزيئات مكرَّرة تسمى مونوميرات (Monomers)، ومرتبطة مع بعضها بعضاً كيميائياً. ولهذا السبب سُمي البوليمر بهذا الاسم، فهو مؤلف من جزئه الأول “Poly” ومعناه “عديد” والجزء الثاني “mer” ويقصد به “جزيء”. تترابط هذه المونوميرات، والمشتقة من النفط أو الغاز الطبيعي، لتكوِّن السلسلة البوليميرية. ويحضر عن طريق عمليات تسمى البلمرة (Polymerization)، تحت ظروف تفاعل محدَّدة، التي يتم فيها تحويل مادة المونيمر إلى بوليمر بواسطة حفَازات كيميائية. كما إن أحجام هذه الجزيئات الكبيرة وتركيباتها البنائية وطريقة ترابطها تُكسب هذه المواد خصائصها وصفاتها التي على أساسها يمكن استغلالها في تطبيقات وظيفية تخدم مجالات واحتياجات الحياة اليومية.

قياس سماكة كيس بلاستيكي من نوع البولي بروبلين لفحص الجودة والتحكم بها قبل استخدامها في صناعة الأكياس البلاستيكية

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *