كيف تتولد أفكار المبدعين؟ من دافنشي لستيف جوبز..

كيف تتولد أفكار المبدعين؟ من دافنشي لستيف جوبز..

الأهم من “الفكـرة العبقـرية” هو كواليس إيجاد هذه الفكـرة. بلا شك مرّت عليك لحظة تساءلت فيها عن كيفية تكوّن الفكرة لدى المبدعين. مثلا، كيف تمكّن ألبرت أينشتاين من الوصول إلى فكـرة النظرية النسبية التي خلّدت اسمه؟ كيف تمكّن موتسارت من التوصل إلى ألحـانه العبقـرية؟ ما الطريقة التي جعلت ستيف جوبز يحوّل شركته إلى مسار التطوير الذي خلق الآيفون؟ من أين جاءت أفكـار لوحات دافنشي الباهـرة؟

يعتقد أغلبنا أن الأفكـار الإبداعية تقتصر على فئة من الناس دون غيرهم، وأن الابتكار محصـور على العباقــرة وذوي معدلات الذكاء المرتفع فقط، وأنهم جميعا يمرّون بلحظة الـ “إيـرويكا” التي تجعلهم يهتفون فجأة: وجدتها، وجدتها! وكأن الأفكار تأتي فجأة لهم حصرا. في الواقع ما يغيب عن أذهاننا أن هؤلاء المبدعين والاستثنائيين يستحضرون أفكارهم بأدوات وأساليب من الممكن أن نمرّ بها جميعا، ونحقق من ورائها النتائج نفسها. على مسرح “تيد”، أُلقيت مجموعة من المحاضرات المتفرقة التي تُسلّط الضوء على إجابات لهذا السؤال المحير: من أين تأتي الأفكـار الجيدة؟ وهل يمكن لنا جميعا أن نُنتج هذه الأفكـار بالفعل، أم أنها مقتصـرة على فئة معينة من الناس

كيف أدّت أفكـار بسيطة إلى اكتشافات علمية مذهلة؟

https://www.youtube.com/watch?v=F8UFGu2M2gM&t=23s

حينما كان ريتشارد فاينمان -عالم الفيزياء الشهير- فتى يافعا في مدينة كوينز ذهب ليتنزّه رفقة والده وعربته وكُرة، فلاحظ أنه حينما يجر العربة تتجه الكُرة صوب مؤخرة العربة، فسأل والده: “لماذا تتجه الكُرة صوب مؤخرة العربة؟”، فأجابه والده: “إنه القصور الذاتي”، فسأله: “ما القصور الذاتي؟”، فأجابه والده: “إنه الاسم الذي أطلقه العلماء على ظاهرة توجه الكرة صوب مؤخرة العربة”. الحقيقة أن هذا السؤال -على بساطته- كان السبب في جعل فاينمان يفهم أن أبسط الأسئلة تدفعك إلى المعرفة، وهذا ما دفعه في النهاية إلى الحصول على جائزة نوبل في الفيزياء.

أحيانا، تبدو الأمور معقدة وغير مفهومة على الإطلاق، كيف استنتج نيوتن قوانين الحركة، على الرغم من أنه كان يعيش منذ قرون طويلة، وأنا وأنت حتى الآن لا نعرف الكيفية التي استنتجها بها؟ كيف توصل أينشتاين إلى معادلاته؟ كيف استطـاع ذلك العالم أو المخترع أو المبدع الوصول إلى اكتشاف أو اختراع أو الكتاب أو الفيلم المذهل الذي وصل إليه؟ من أين جاءته الأفكـار، ومن أين استلهمها؟

في هذه المحاضـرة القصيرة الشهيرة من “تيد”، والتي نالت -على قِصَـرها- عددا هائلا من المشاهدات اقترب من المليوني ونصف مشاهدة يشرح آدم سافاج مثالين لـ “كيف تستطيع الوصول إلى أشياء باهرة بأبسط الإمكـانيات”. المثال الأول للعالم اليوناني إراتوستينس الذي استطاع حساب محيط الأرض قبل نحو 200 سنة قبل الميلاد بأدوات شديدة البساطة، ثم يشرح مثالا ثانيا للعالم هيبوليت فيزو الذي استطـاع قياس سـرعة الضوء عام 1849 بأدوات بسيطة للغاية.

قد يبدو أن الإبداع أو الاختراقات المدهشة تتطلب تعقيدات كبرى، ولكن الحقيقة أن البساطة هي المفتاح الأول للوصول إلى اكتشافات مذهلة، سواء كانت تلك البساطة في الأدوات أو المبادئ نفسها.

من أين تأتي الأفكـار الجيدة؟

https://www.ted.com/talks/steven_johnson_where_good_ideas_come_from?language=ar

أكثر من أربعة ملايين شخص شاهدوا هذه المحاضـرة في منصة “تيد” الرسمية التي أُلقيت عام 2010، واعتُبرت من أهم المحاضرات التي تضرب بجذورها في محاولة فهم واحدة من أكثر القضايا المحيّـرة للجميع: من أين تأتي الأفكـار الجيدة المنطقيـة والإبداعية التي تخلق تغييرا كبيرا في مسار أصحابها، والذي قد يتحوّل إلى تغيير كبير أيضا في مسار الحيـاة والتاريخ؟

ستيفن جونســون يتحدث في هذه المحاضـرة عن فكـرة الإلهـام، أو عن لحظـة “الإيـرويكا” أو لحظة “وجدتها!” الشهيرة في التاريخ. يستعرض العديد من الأمثلة والنماذج، ويبدأ في تحليلها بدءا من المقـاهي اللندنية العريقة مرورا بأفكـار دارون ونظـرياته وليس انتهـاء بالفكـرة العبقرية التي أدت إلى وجود شبكـة الإنترنت عالي السـرعة الذي نستخدمه في أيامنا هذه.

بشكل عام، يبدو الأمر معقدا جدا من الخارج، ولكن الحقيقة المنهجية تقول إن أكثر الأفكـار إبداعا تأتي من خلال “التواصل”. نحن نستقي أفكارنا من الآخرين دون معرفة منا، ودون نقاش مباشر. جلسة على مقهـى مع صديق، أو دعابة صباحية مع جار، أو حديث جانبي مع زميل عمل قد تؤدي إلى إنتاج أفكـار إبداعية مذهلة. فقط نوعية هؤلاء الأشخاص الذين نجدهم في طريقنا هي من ستحدد إن كان الإبداع سيأتي أم سيتأخر كثيرا، أو ربما لن يأتي للأبد!

عندما تمارس الأفكـار

https://www.ted.com/talks/matt_ridley_when_ideas_have_sex?language=ar

عندما كنت طالبا في أكسفورد في السبعينيات، كان مستقبل العالم يبدو كئيبا. انفجار سكاني لا يتوقف، المجاعة العالمية على الأبواب، ووباء السرطان يحصد أعمارنا، والتصحر العالمي قادم، والبترول سينفد، والشتاء النووي في الأفق. حسنا، لم يحدث أي شيء من هذه الأشياء (ضحك)، بالعكس، لاحقا ارتفع معدل دخل الفرد عالميا، معدل العمر الطبيعي ارتفع 30% خلال هذه الفترة، وانخفض معدل موت الأطفال بالثلثين، وارتفع معدل إنتاج الغذاء للثلث، كل هذا حدث مع زيادة السكـان أيضا، كل هذا بسبب أن الأفكـار تمارس الجنس!

في حديثه الهادئ على مسرح “تيد”، يشرح الكاتب مات برادلي عبر محاضـرته التي منحها عنوانا مثيرا للجدل وهو “عندما تمارس الأفكـار الجنس” (when ideas have sex) أن البشـرية في الواقع تنجـو بفعل تطوّر العقل الجمعي للبشر، وليس من خلال تطوير مهارات الأفراد. البشر استطـاعوا النجاة من الكثير من الأزمات والمشاكل لا لشيء سوى لأفكار واختراعات وابتكـارات حديثة وجديدة كان يفـرزها العقل الجمعي بشكل مستمر، حتى لو كان بشكل غير مباشر أو يبدو أنه بسبب إبداعات أفراد بعينهم.

المحاضـرة التي حققت أكثر من مليوني وربع مشاهدة، تركز على مبدأ أن التقدم البشري قائم على أفكار تتلاقح طوال الوقت لتطوّر أفكـارا جديدة تؤدي في النهاية إلى تحقيق اختراقات كبرى تحل أهم مشاكل العالم، حتى لو بدا المستقبل غائما في الأفق

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *