كوارث العولمة

نماذج من كوارث العولمة

النمور الاسيوية

كوريا الجنوبية- تايوان- هونك كونك-سنغافورة، واضيف اليها ماليزيا وتايلند، والفلبين-التي يطلق عليها مصطلح “النمور الاسيوية”.

لقد عصفت ازمة مالية حادة باقتصادات هذه البلدان عام 1998، وللوقوف على الاسباب الحقيقة وراء هذه الازمة يمكننا الاشارة هنا الى:

*ان التجارب التنموية للنمو الاقتصادي كانت منذ البداية تحت رعاية النظام الاقتصادي الدولي الذي يتميز بتقسيم عمل دولي يعمل لصالح الدول المهيمنة(المركز) وهي الدول الصناعية الرأسمالية المتمثلة بمجموعة الثمانية(G8) حيث اضيفت لها روسيا مؤخراً.

هذه الدول الصناعية قدمت للنمور الاسيوية تسهيلات كبيرة لاسباب معروفة منها:

1- طبيعة النظم السياسية السائدة في هذه الدول وهي بمجملها مثال للتبعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدول الغربية المهيمنة(المركز) رغبةً في أظهارها كنموذج تنموي يقارن بالتجارب التنموية للدول الاخرى لاثبات كفاءة النموذج المستند الى آلية السوق والقطاع الخاص، والانتاج على الاسواق العالمية والسماح لرؤوس الاموال الاجنبية بالاستثمارفيها.

*واحقية الشركات متعددة الجنسية- وهذا امر مهم وخطير- في تحويل الأموال هذه وارباحها متى شاءت، اضافة الى التزامهم التام بوصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي- اللذان يعتبران من ادوات العولمة المهمة والتي في النهاية تضمن التبعية السياسية والاقتصادية للاقطار الرأسمالية الغربية المهيمنة على الاقتصاد العالمي.

2- حرص الدول المهيمنة، بعد ازدياد حدة المنافسة بينها خاصة بعد تفكك المعسكر الاشتراكي عام 1990 وتشكل ما يسمى بالنظام الدولي الجديد تحت هيمنة الولايات المتحدة، حرصها على تحقيق مكاسب كبيرة لاقتصاداتها عبر التجارة الخارجية عن طريق السبق التكنولوجي الذي يمثل المحرك الاساسي لها.

*وهكذا اضيفت لامتيازات الدول المهيمنة في الظروف المعاصرة عوامل اخرى من ضمنها السبق التكنولوجي وفق نظرية دورة حياة المنتج، وهذا يعني نقل الصناعات التي استنفذت السبق التكنولوجي في انتاج سلعة معينة، مثل السلع الالكترونية الى الدول الاخرى للاستفادة من انخفاض تكاليف الانتاج لاستمرار منافع التجارة الخارجية بالاسلوب التقليدي على التكاليف النسبية للانتاج.

*وبهذا الاسلوب تم تحقيق منافع كبيرة للطرفين اي الدولة المهيمنة، والدولة التابعة للنمور، ومع مزيد من اتجاهات تدويل الحياة الاقتصادية، ومحاولة اشاعة مظاهر(العولمة)، فأن النمور الاسيوية قدمت من ناحية نموذجاً جذاباً للتنمية في الثمانينات، لكنها من ناحية اخرى قدمت في التسعينات نموذجاً تنموياً هشاً معرضاً لمخاطر محتملة ارتبط اسلوبها التنموي القائم على التجارة الخارجية ومستوردة وسيرورتها جزءاً تابعاً من منظومة النظام الاقتصادي الدولي في ظل العولمة والهيمنة الامبريالية.

كما ان هذه الدول اضحت ساحة مفتوحة لحركات رؤوس الاموال الدولية وبالتالي عرضة للتقلبات الاقتصادية الشديدة بتأثير مباشر او غير مباشر من القوى المهيمنة.

*لقد صار واضحاً ان النهج التنموي الذي اتبعته هذه الدول ترتبط خيوطه الاساسية وقواه المحركة بيد الشركات متعددة الجنسية، لذلك تعرض هذا النهج المحفوف بالمخاطر للانهيارات والتقلبات المفاجئة كلما تطلبت مصالح تلك الشركات ومن ورائها الدول المهيمنة.

*وعلى سبيل المثال/من اجل التخفيف من تأثير الازمة، لجأت حكومة هونك كونك-قلعة تفكير السوق الحرة- للتدخل للسيطرة على تقلبات السوق فأنفقت مبالغ طائلة قدرت بـ(14) مليار دولار لشراء الاسهم لدعم سوقها المترنحة.

*اما السبب المباشر الذي ادى الى انهيار اقتصادات دول النمور، عندما حاولت هذه الدول ماليزيا اندونيسيا وكورية الجنوبية وتايلند، التعاون والتنسيق مع الصين بدءاً من عام 1997م، لخلق تكتل اقتصادي اقليمي يتمتع بأستقلال نسبي لتحقيق مصالحها مقابل التكتلات الغربية الامر الذي ادى الى تحقيق التحرك المفاجئ لرؤوس الاموال، وانتقالها من الاسواق المالية لهذه الدول الى الاسواق المالية للدول الغربية، وبالتالي انهيار الاسواق المالية والمؤسسات المصرفية، وماترتب عليها من افلاسات متتالية للشركات، ثم انهيار للاقتصاد الوطني.

وعليه يمكن القول ان النموذج التنموي لهذه الدول- وهذا ما تؤكده الاحداث في كل من(المكسيك وروسيا) مبني على الانفتاح والتكامل مع الاقتصاد العالمي في ظل التوجه الامريكي الغربي للعولمة.

*ان التغني بمشاريع العولمة لما تأتي به من استثمارات خارجية قد تؤدي الى ان تكبر هذه الاستثمارات الى حد السيطرة على اقتصاد البلد، كما حصل في تلك الدول الاسيوية حيث اصبحت الاستثمارات الاجنبية ذات نفوذ اقتصادي كبير.

*هذا ماحدث لرأسمالية(الاطراف) التي وصفها(اندريه جوندرفرانك) والتي تنطبق على النمور الاسيوية -وصفها بالرأسمالية الرثة، وسمى برجوازيتها بالبرجوازية الرثة كما نعت تنميتها بالتنمية الرثة.

ولكن لماذا هي رثة على هذا النحو؟

الجواب: لانها تبقى محصورة في دائرة التبادل والتوزيع والسطح والمظهر، ولاتتعداها ابداً وبصورة جيدة الى دائرة الانتاج(البرجوازية الرثة والتطور الرث) نيويورك 1972م.

(وهذا نموذج اخر من روسيا)

*هنا تتحدث الارقام وحدها لما آلت اليه الامور في روسيا جراء اعتمادها سياسة الانفتاح والخصخصة، واليكم حصاد السوق:

*حجم الرساميل النازحة من روسيا مابين(1992-1994) بحدود مائة مليار دولار في حين بلغ حجم الاستثمارات الاجنبية في روسيا(4.19) مليار خلال الفترة ذاتها. لاحظوا الفرق الهائل بين(100)و(4.19).

*هناك تقديرات تشير الى تهريب(450) مليار دولار بصورة غير شرعية خلال سنوات حكم يلتسن..

*نشأت فئة من اصحاب المليارات تملك70-80 في المئة من الدخل الوطني في حين لاتشكل هذه الطبقة سوى نصف من الواحد في المئة من مجموع السكان، أنها لمفارقة صارخة لايوجد مثيل لها في الدول الرأسمالية ذاتها.

*وتتولى كوارث السوق- فالمعطيات الرسمية تشير الى ان هناك الان حوالي(30) مليون عاطل عن العمل.

*أن في روسيا حوالي(80) مليون مواطن من اصل(246) مليون هو عدد سكان روسيا الاتحادية اي ثلث السكان يعيش على حافة الفقر.

*واسفرت اصلاحات السوق المزعومة عن فوضى شاملة فبدلاً من ظهور ملايين الملاكين كما زعم(تسوبايس) احد منظري الخصخصة في روسيا ظهر عشرات الملايين من الجياع.

*وانخفض الناتج الوطني الاجمالي من عام 1991-1998 بنسبة 50 % وبلغ الانخفاض في الصناعة 50 % وفي الزراعة 60%.

*وادت الخصخصة الى عملية لهف للثروة الوطنية ونشوء رأسمالية طفيلية ونّهابة في آن.

*وقد رافق ذلك نمو الجريمة المنظمة، وتلعب المافيا دوراً مركزياً في الرأسمالية الروسية، بحسب تقديرات الشرطة الروسية هناك حوالي 9000-10000 عصابة منظمة للمافيا تشرف على 400.000 مؤسسة من بينها(450) بنكاً وتمثل الاغلبية في هذا القطاع.. وبعد اليكم هذا المثال عن النهب الفاضح.

*فقد وزعت اهم اجزاء الملكية على فئة ضيقة من المرتبطين بالسلطة دون ان تطرح في مزايدات علنية، لقد بيعت ممتلكات الدولة باسعار بخسة.

وتكفي الاشارة الى:

-ان اضخم مصنع لانتاج سيارات لادا بيع بـ(44) مليون دولار!! فيما قدرت قيمته الفعلية بـ(4.1-4.6) مليار دولار اي بنسبة 1 % على اقل تقدير… هكذا النهب والا فلا!!.

-كل ذلك وغيره قادر في النهاية على زيادة التوتر الاجتماعي وارتفاع اعداد الفئات الهامشية والرثة، حيث تشكل نسبة الفئات التي تحيا دون حد الفقر اكثر من ثلث عدد السكان تقريباً.

-وكمحصلة نهائية ازدياد عبئ الديون الخارجية حيث تستهلك خدماتها فقط حالياً اكثر من 30 % من ميزانية الدولة ومن المتوقع ان ترتفع الى 70 % في نهاية 2003م.

-والاقتصاد كما هو معلوم كلٌّ مترابط فقد ادى هبوط موارد الميزانية الى تنامي العجز في الميزانية الذي كان مرتفعاً اصلاً(1)..

هذا فردوس السوق!! تأملوا!

*هذا غيض من فيض مما يمكن ان يكتب او يقال عن الليبرالية الجديدة وتأثيراتها السلبية المباشرة وغير المباشرة على التنمية الوطنية الحقيقية للدول النامية وعلى مجمل الحياة الاقتصادية والثقافية لهذه البلدان.

* ومن الطبيعي ان يترشح عن عملية الصراع التاريخي بين العولمة وضحاياها ردود افعال ومبادرات كثيرة، وهي تحاول توجيه النقد الى هذا النظام الجديد وما آلت اليه من مشكلات للانسان والمجتمع والبيئة، وما يحتمل ان تؤول ان ظلت العولمة تنشغل بأنماء الرأسمالية، وتعزز مؤسساتها، وزيادة تكديس الثروة لدى فئة صغيرة دون مراعاة لحقوق الانسان الذي يجد نفسه مكدوداً تحت وطأتها.

وانتصاراً لتلك الحقوق ارتفعت اصوات جريئة تشير بالاصابع الى ان بضعة مئات من الاثرياء بحوزتهم، بفعل العولمة، ما يقرب من نصف الانتاج العالمي.

*وهذه احصائية مثبتة في كتاب(فخ العولمة) تأليف الالمانيان(هانز بيترمارتن و وهارالدستون) الكتاب صدر عام 1998م.

الاحصائية تقول: ان(358) مليار ديراً في العالم يمتلكون ثروة تضاهي مايملكه 2.5 مليار من سكان المعمورة.. لاحظوا هذه الفوارق الفلكية الرهيبة!!.

*ونفس المصدر يقول: ان هناك 20 % من دول العالم تستحوذ على 85 % من الناتج الاجمالي العالمي وعلى 84 % من التجارة العالمية، ويمتلك سكانها 85 % من مجموع المدخرات العالمية..

*وكأن الكرة الارضية بيد الرأسمالية الامبريالية..”وكالة من غير بواب كما يقول المثل المصري المشهور” ان العالم المثقل بشرور واوزار هذا النظام مطالب بالنضال من اجل ايجاد افضل الصيغ والاساليب لبناء نظام دولي جديد يقوم على اسس العدل والتكافؤ ورعاية حقوق الانسان.

*هذا التفاوت القائم بين الدول يوازيه تفاوت اخر داخل كل دولة حيث تستاثر قلة من السكان بالشطر الاعظم من الدخل الوطني والثروة الوطنية في حين تعيش اغلبية السكان على الهامش.

*هذا التفاوت الطبقي الشاسع في توزيع الدخل والثروة سواءاً على الصعيد العالمي او على الصعيد المحلي، لم يعد بالامر المزعج بل بات في رأي منظري العولمة مطلوباً في حلبة التنافس العالمي الضاري.

*وقد اطلق عدد من المختصين الاقتصاديين، التوفيقيين تعريفاً جديداً وتسمية جديدة للعولمة- المسار الثالث- الذي يحاول التوفيق بين الليبرالية المغالى بها، والاشتراكية المقننة، وبموجب ذلك يكون للدولة دورُ معتدل في توجيه الاقتصاد، مع ابقاء قدر عال من الحرية للسوق، وراح اولئك المختصون يضعون الفروض حول ما يمكن ان يؤول اليه ذلك المسار على اساس انه يؤدي الى تقليص الفجوة بين طبقات المجتمع وينتهي الى توازن اجتماعي مقبول. الى جانب هذا الطرح كان اخرون قد وجدوا في هذه المقولة الاخيرة تكراراً لنظريات قديمة متآكلة لم يكتب لها القبول.

*وقد ظهرت دعوات عالمية لمواجهة هذا المد العولمي ومفاهيمه من خلال الدراسات الجادة والبحوث المستفيضة التي صدرت في كل انحاء العالم وكذلك المظاهرات الصاخبة والانشطة والفعاليات المختلفة التي رافقت اجتماعات ولقاءات ممثلي دول العولمة في كل مكان اجتمعوا فيه، في سياتل/ 1999م وفي مؤتمر التجارة العالمية، والمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في سويسرا في نفس العام ومؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية في بانكوك/2000 والمؤتمرات اللاحقة وصولاً الى قمة الثمانية التي عقدت في منتجع ايفيان الفرنسية في ايار 2003م.

*واثناء انعقاد مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة في جوهانسبرغ عاصمة جنوب افريقيا في سبتمبر/ ايلول 2002م، والتي اطلق عليها(قمة الارض الثانية) في ذكرى مرورعشر سنوات على عقد قمة الارض الاولى في ريودي جانيرو في البرازيل، والتي شارك فيها(65) الف منهم مائة رئيس دولة.

حيث تواصلت في هذا المؤتمر الهام المناقشات والمبادرات والنداءات في الوقت الذي انطلقت فيه اكبر المظاهرات لمناهضة العولمة التي تهدف بالاساس للاحتجاج على حصاد النظام الدولي الجديد- الفجوة الهائلة بين الدول الغنية والدول الفقيرة-

*ان ما تشير اليه وثائق المؤتمر من احصاءات وتقديرات في مجالي البيئة والتنمية يوضح لنا قتامة الوضع الذي تواجهه الارض وسكانها.

-تضاؤل مصادر المياه مسؤول عن مآسي كثيرة منها ان اكثر من مليار انسان لايروون عطشهم، والالاف منهم يعانون سنوياً من الام مصدرها الماء، وان شحة المياه في بعض النقاط الساخنة من العالم تنذر بتعقد النزاعات فيها، والشرق الاوسط مثال واضح على ذلك.

-نصف سكان العالم يفتقر الى العيش في وضع صحي مناسب، في وضع تستشري فيه اوبئة فتاكة.

-اكثر من مليار انسان يعيشون تحت خط الفقر بينما يعيش نحو مليارين دون كهرباء.

-المساحات الخضراء بدأت بالتضاؤل خلال سنوات التسعينات بمعدل يقترب من الاف الكيلو مترات سنوياً وما يترتب على ذلك من اضرار على المناخ والحيوان والنبات واوجه النشاط الاقتصادي المختلفة.

-نصف انهار العالم تعاني من التلوث وتتعرض آلاف الانواع من الحيوانات للانقراض.

-ملايين البشر يموتون سنوياً بسبب مرض(الايدز) وما يتعلق به، اذ تمكن هذا الوباء من تحويل مناطق في القارة الافريقية الى مشهد للموت والفقر بينما يمد رعبه الى اجزاء عديدة من العالم لدرجات متفاوتة.. ولايتلقى ضحايا هذا الوباء الادوية والامصال المضادة الا النزر اليسير، علماً بأنها متوفرة وبكميات تجارية في دول العالم الاول!! “المعلومات المثبتة عن(قمة الارض الثانية) جوهانسبيرغ/2002 مجلة دراسات اقتصادية/ العدد- 15 /2002، بيت الحكمة – بغداد عن وثائق المؤتمر المذكور”.

*ان بأمكان المراقب ان يلاحظ ان التقدم العلمي والتكنولوجي ليس كله ايجابياً خاصة ان مفاتيح هذا التقدم بيد الاقوى المسيطر، الذي لايهمه سوى تلبية مصالحه في استغلال اربعة اخماس البشر، ونتيجة للاستغلال اللاعقلاني يخلق العلم اعباءً جديدة مثل تلويث البيئة والاستنفاذ السريع لعدد من الموارد الطبيعية، وتنشأ بذلك مخاطر جدية، بعضها يأتي من جانب الطبيعة نفسها التي تنفعل وترد سلبياً على محاولات تغيير نظامها وان الارض تكون نظاماً بيئياً عالي التكامل بحيث ان اي تغيير في عنصر من عناصره يرجح ان تكون له عواقب بعيدة المدى، وتؤدي الى اختلال التوازن البيئي مثل ظاهرة الاحتباس الحراري، والفيضانات، والتغييرات المناخية، والتصحر الذي يجتاح شمال افريقيا، وكذلك المشرق العربي وما يحدث للغابات وغيرها.