قوانين التحليل

ثالثا: قوانين و مناهج التحليل الاقتصادية:

         يؤكد الاقتصاديون الصفة العلمية للاقتصاد إذ يرون أن لهذا العلم قوانينه الخاصة، ومن ثم فإنهم يسعون دائماً للكشف عن هذه القوانين وصوغ النظريات الاقتصادية المختلفة. ومن الثابت أنهم يتبعون في هذا السبيل تطبيق المناهج العلمية المعروفة ([1]).

  • القوانين الاقتصادية:

        يسعى علماء الاقتصاد السياسي باستمرار للوصول إلى إظهار الصلات و العلاقات الثابتة، و المتشابهة بين الوقائع أو الظواهر الاقتصادية، إذا تحققت لها شروط معينة للظهور ( قوانين اقتصادية)([2]).

          لذلك جاءت القوانين الاقتصادية لتُعبر عن جوهر العمليات أو الظواهر الاقتصادية الجارية، وهى عمليات تجري في دائرة علاقات الإنتاج([3]). و تنحصر مهمة البحث الاقتصادي في اكتشاف هذه القوانين التي تؤدي إلى خلق الثروة و زيادتها في المجتمع، و يبين من خلالها جوهر العلاقات التي تقوم بين الناس أثناء إنتاج الثروة المادية و شروط تطورها عبر التاريخ([4]).

          و قد ارتبط ظهور علم الاقتصاد السياسي في العصر الحديث بالقدرة على اكتشاف قوانين اقتصادية علمية تبين العلاقات الثابتة بين ظواهر و معطيات معينة، و كان الفيزيزقراطيون هم أول من قال بالقوانين الاقتصادية، حتى أنهم بنوا كل نظرياتهم الاقتصادية على فكرة ” قانون النظام الطبيعي”، و قصروا مهمة الباحث على اكتشاف هذه القوانين.

كما نجد “جان باتيست ساي” و هو من أصحاب النظرية الكلاسيكية عرف الاقتصاد بأنه:

” هو معرفة القوانين الطبيعية و الدائمة التي تحكم علاقات البشر و التي بدونها لما استطاع الناس الاجتماع و العيش”([5]).

– تهدف القوانين الاقتصادية إلى تحقيق الأهداف التالية:

  • تصنيف و تنظيم الوقائع الاقتصادية.

  • تفسير أسباب الوقائع الاقتصادية، و منح الباحث القدرة على التنبؤ.

  • النسبية في القوانين الاقتصادية:

        بالرغم من وجود العديد من القوانين الاقتصادية العامة و الراسخة و المؤكد صحتها، و وجود الكثير من المبررات حول علمية الاقتصاد السياسي، غير أن  هذا لا يعني بالضرورة أن نقول بأن علم الاقتصاد هو كباقي العلوم الطبيعية و الفيزيائية من حيث دقة القوانين و قدرتها على تفسير الظواهر فليس كل القوانين الاقتصادية تتصف بالعمومية و الصحة المطلقة، فقد يصلح قانون لتفسير ظاهرة اقتصــادية في دولة معينة، و لا يصلح لتفسير نفس الظاهرة في دولة أخرى أو في مرحلة تاريخية مغايرة، فقوانين تطور الدول الأوربية التي زادت من ثروتها و ساهمت في رقيها في القرن الثمن عشر و التاسع عشر حسب المدرسة الكلاسيك، لا يمكن تطبيقها على واقع الدول النامية في وقتنا الحاضر، بسبب تحول الوضعية و الظروف الاقتصادية لهذه الدول و ظهور وحدات اقتصادية جديدة و تدخل الدولة و كذلك بروز العديد من المتغيرات المستجدة، و هذا بعد أن اعتقد الكلاسيك أن القوانين التي توصلوا إليها راسخة و ثابتة على غرار القوانين في العلوم الطبيعية.

وأخيراً، يمكن إجمال السمات الرئيسية للقوانين الاقتصادية فيما يلي :

1- نسبية التطبيق، أي تغيرها بتغيير الزمان والمكان. فالقوانين الاقتصادية التي تنطبق في بلد متقدم قد لا تنطبق في بلد متخلف، وتلك التي تنطبق في بلد رأسمالي قد لا تنطبق في بلد ذات نظام اقتصادي اشتراكي. فالثبات والاستقرار الذي يتصف بهما القانون الطبيعي، نجدهما نسبيان للقانون الاقتصادي.

2- كما تتسم القوانين الاقتصادية بأنها ليست حتمية التطبيق أو الحدوث.

3- كما تتميز القوانين بعدم دقتها الحسابية، فهي لا يمكن الاعتماد عليها للوصول إلى نتائج دقيقة محددة ، وإنما هي تعبر عن مجرد ميل أو اتجاه معين.

  • مناهج و أدوات التحليل الاقتصادية ( رفعت محجوب ص 30 / الموسوعة العربية):

        المنهج العلمي هو:

          “الطريقة التي يسلكها العقل في دراسة موضوع علم ما للوصول إلى قضاياه الكلية، أي إلى اكتشاف القوانين التي تحكمه، و على ذلك فغاية البحث العلمي تتمثل في الوصول إلى حقيقة الشيء موضوع البحث”.

          و لكل علم طرق بحث تتفق مع طبيعة موضوعه، بالإضافة إلى ذلك توجد قواعد عامة للبحث يمكن أن يعتمد عليها في كل بحث علمي بصرف النظر عن موضوعه، ومن الثابت أنهم يتبعون في هذا السبيل المناهج العلمية المعروفة هي: المنهج الاستنباطي(التجريدي، النظري) والمنهج الاستقرائي (التجريبي، الواقعي). وهذه فكرة مختصرة عن كل منهما:

  • المنهج الاستنباطي (التجريدي، النظري):

  • يعتبر أقدم مناهج المعرفة، إذ يرجع إلى عهد أرسطو.

  • والاستنباط عملية عقلية يخلص بها من قضية تعد مقدمة مسلماً بصحتها إلى قضية تعد نتيجة لازمة لها. وذلك من خلال قواعد ذهنية بحتة تدور كلها في الذهن بعيداً عن الواقع ( دون الاعتماد على التجربة).

  • بمعنى الانتقال في البحث من الكل إلى الجزء (الاستدلال النازل).

  • يعتبر المنهج الرياضي من أبرز أدوات التحليل الذي يعتمد على المنهج الاستنباطي.

  • المنهج الاستقرائي (التجريبي، الواقعي):

  • يقصد بالاستقراء العملية المنطقية التي يخلص بوساطتها من الوقائع الفعلية إلى القوانين العامة التي تحكم الظاهرة قيد الدراسة.

  • هو تلك العملية العقلية التي تنصرف إلى الاستدلال عن طريق الملاحظة أو التجربة، من الخاص إلى العام ( الجزء إلى الكل الاستدلال الصاعد).

  • إذا: هو عملية منطقية ننتقل بواسطتها من الواقع لاكتشاف القوانين العامة. عبر استقراء جزئيات هذا الواقع و جعلها تعبرعن ما يتضمنه من قوانين عامة.

  • ظل هذا المنهج محصور في العلوم الطبيعية حتى القرن الثامن عشر، حيث تم نقله إلى حقل البحث في العلوم الاجتماعية.

  • يعتبر المنهج التاريخي و كذلك الاحصائي من أبرز أدوات التحليل الاقتصادية التي يعتمد على المنهج الاستقرائي.

[1] ) الموسوعة العربية ( النسخة الإلكترونية) ، علم الاقتصاد،  نقلا عن الموقع:.

[2] ) أنطوان أيوب، مرجع سبق ذكره، ص 12.

[3] ) مختار طلبة، مرجع سبق ذكره، ص 15.

[4] ) عبد الله ساقور، مرجع سبق ذكره، ص 15.

[5] ) أنطوان أيوب، مرجع سبق ذكره، ص 13.