مفهوم التنمية

مفهوم التنمية

بقلم/ د.نصر عارف

كلية العلوم السياسية-جامعة القاهرة

نقلا عن موقع: http://www.islamonline.net/iol-arabic/dowalia/mafaheem-2.asp

يعد مفهوم التنمية من أهم المفاهيم العالمية في القرن العشرين، حيث أُطلق على عملية تأسيس نظم اقتصادية وسياسية متماسكة فيما يُسمى بـ “عملية التنمية”، ويشير المفهوم لهذا التحول بعد الاستقلال -في الستينيات من هذا القرن- في آسيا وإفريقيا بصورة جلية. وتبرز أهمية مفهوم التنمية في تعدد أبعاده ومستوياته، وتشابكه مع العديد من المفاهيم الأخرى مثل التخطيط والإنتاج والتقدم.

وقد برز مفهوم التنمية Development بصورة أساسية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث لم يُستعمل هذا المفهوم منذ ظهوره في عصر الاقتصادي البريطاني البارز “آدم سميث” في الربع الأخير من القرن الثامن عشر وحتى الحرب العالمية الثانية إلا على سبيل الاستثناء، فالمصطلحان اللذان استُخدما للدلالة على حدوث التطور المشار إليه في المجتمع كانا التقدم المادي Material Progress، أو التقدم الاقتصادي Economic Progress.

وحتى عندما ثارت مسألة تطوير بعض اقتصاديات أوروبا الشرقية في القرن التاسع عشر كانت الاصطلاحات المستخدمة هي التحديث Modernization، أو التصنيع Industrialization.

وقد برز مفهوم التنمية Development بداية في علم الاقتصاد حيث استُخدم للدلالة على عملية إحداث مجموعة من التغيرات الجذرية في مجتمع معين؛ بهدف إكساب ذلك المجتمع القدرة على التطور الذاتي المستمر بمعدل يضمن التحسن المتزايد في نوعية الحياة لكل أفراده، بمعنى زيادة قدرة المجتمع على الاستجابة للحاجات الأساسية والحاجات المتزايدة لأعضائه؛ بالصورة التي تكفل زيادة درجات إشباع تلك الحاجات؛ عن طريق الترشيد المستمر لاستغلال الموارد الاقتصادية المتاحة، وحسن توزيع عائد ذلك الاستغلال. ثم انتقل مفهوم التنمية إلى حقل السياسة منذ ستينيات القرن العشرين؛ حيث ظهر كحقل منفرد يهتم بتطوير البلدان غير الأوربية تجاه الديمقراطية. وتعرف التنمية السياسية: “بأنها عملية تغيير اجتماعي متعدد الجوانب، غايته الوصول إلى مستوى الدول الصناعية”، ويقصد بمستوى الدولة الصناعية إيجاد نظم تعددية على شاكلة النظم الأوربية تحقق النمو الاقتصادي والمشاركة الانتخابية والمنافسة السياسية، وترسخ مفاهيم الوطنية والسيادة والولاء للدولة القومية.

 ولاحقًا، تطور مفهوم التنمية ليرتبط بالعديد من الحقول المعرفية. فأصبح هناك التنمية الثقافية التي تسعى لرفع مستوى الثقافة في المجتمع وترقية الإنسان، وكذلك التنمية الاجتماعية التي تهدف إلى تطوير التفاعلات المجتمعية بين أطراف المجتمع: الفرد، الجماعة، المؤسسات الاجتماعية المختلفة، المنظمات الأهلية.

بالإضافة لذلك استحدث مفهوم التنمية البشرية الذي يهتم بدعم قدرات الفرد وقياس مستوى معيشته وتحسين أوضاعه في المجتمع.

ويلاحظ أن مجموعة المفاهيم الفرعية المنبثقة عن مفهوم التنمية ترتكز على عدة مسلمات:

أ – غلبة الطابع المادي على الحياة الإنسانية، حيث تقاس مستويات التنمية المختلفة بالمؤشرات المادية البحتة.

ب – نفي وجود مصدر للمعرفة مستقل عن المصدر البشري المبني على الواقع المشاهد والمحسوس؛ أي بعبارة أخرى إسقاط فكرة الخالق من دائرة الاعتبارات العلمية.

ج – إن تطور المجتمعات البشرية يسير في خط متصاعد يتكون من مراحل متتابعة، كل مرحلة أعلى من السابقة، وذلك انطلاقًا من اعتبار المجتمع الأوروبي نموذجًا للمجتمعات الأخرى ويجب عليها محاولة اللحاق به.

——————————————————————————

العولمة و التنمية المستديمة

أي هيئات للضبط ؟

نقلا عن موقع: http://www.unesco.org/most/sd_arab/Fiche4a.htm

مؤسسات التنمية المستديمة وأطرافها الفاعلة

1 الدول : مصممة المشاريع و صاحبتها

2 المؤسسات الدولية

3المنظمات غير الحكومية (ONG) كوسيط للطلب الإجتماعي

4المؤسسات بين الربح و المواطنة

إذا كانت الدول طرفا أساسيا في التنمية المستديمة، فإنه ينبغي عليها أن تعتمد أيضا على أطراف فاعلة أخرى. وأولها المنظمات الدولية، التي يتعمق دورها مع انتشار العولمة. و بعدها المنظمات غير الحكومية، التي هي في نفس الوقت لسان حال تطلعات المجتمع و الخبيرة في مجال التنمية. و أخيرا المؤسسات التي هي في الغالب الغاية الأخيرة للسياسات المرسومة.

  1. الدول : مصممة المشاريع و صاحبتها

لقد أقرت ندوة ريو، التي كانت الدول ممثلة فيها رسميا برؤساء دولها أو رؤساء  حكوماتها، في عمومها على أعلى مستوى وجود علاقة بين البيئة و التنمية. لقد ظهرت الندوة، حقا، كتعبير سياسي هام على إرادة الدول في وضع القرن   XXI تحت شعار التنمية المستديمة.

تطبيقات متباينة حسب الدول. تعد الدول الأطراف الفاعلة الأساسية سواء في السياسات الوطنية أو الدولية للتنمية المستديمة.

إنها المصممة للمشاريع التنموية و المنفذة لها.لقد قبلت الدول الموقعة بتبنيها المفكرة 21 عدة التزامات تباين تطبيقها حسب الحالات. ويفسر هذا التباين جزئيا بتفاوت الوسائل المالية التي تمتلكها، و كذا بمستوى تطورها و قدرات مؤسساتها.

كما يعبر هذا التباين عن تأثير جماعات ضغط متنوعة صناعية واجتماعية و بيئية، تحاول فرض تصوراتها في إعداد السياسات العمومية. و لتسهيل هذا العمل المتمثل في الإعداد السياسي، لابد من أن تتولى المهمة مؤسسة وحيدة، هي عبارة عن وزارة فوق العادة تراقب نشاطات مختلف الدوائر الحكومية الأخرى.

التحكيم في نزاعات المصالح. تكشف النقاشات الجارية في العديد من الدول حول مختلف قضايا البيئة عن حدة في تضارب المصالح على المستوى المحلي، سواء بين مختلف الوزارات أو بين المصالح العمومية و المصالح الخاصة. غالبا ما تنتهي هذه النزاعات إلى تحكيم خاضع إلى ضغوطات مختلفة و متناقضة، قد تتعارض مع المصالح الجماعية المعترف بها. و على سبيل المثال، فإن الترخيص الجديد بتسويق المنتوجات المحتوية على “أجسام معدلة وراثيا”، في مختلف الدول الأوروبية، قد أعطي ضد رأي غالبية المواطنين.

استحالة التصرف الانفرادي. و من جهة أخرى، ومع الاندماج المتزايد للاقتصاديات، فإن الدول تجد نفسها أكثر فاكثر أمام صعوبة تنفيذ إجراءات أو سياسات وطنية مندرجة ضمن استراتيجية تنمية مستديمة.

و يبين النقاش حول التنوع البيولوجي هذا التناقض بوضوح: إن التنوع البيولوجي مسألة تخضع لسيادة الدول، غير أن حمايته لا يمكن أن ترجع فقط إلى تدخل السلطات العمومية الوطنية. كذلك فإن الترخيص بزراعة الأعضاء المعدلة وراثيا، على نطاق واسع، في بعض الدول، يحد من نطاق المراقبة الذي تملكه كل دولة لكي تراقب المخاطر المرتبطة بهذا الابتكار. إن منع إنتاج الأعضاء المعدلة وراثيا في بلد ما يمكن أن يعرضه للتهميش، و يمكن لمنتوجاته أن تتعرض في السوق العالمية لمنافسة السلع المحتوية على أعضاء معدلة وراثيا. و هنا أيضا، يتم البحث عن حل دولي يمكن من السيطرة على الأخطار المرتبطة باستعمال الأعضاء المعدلة وراثيا، و ذلك من خلال البروتوكول حول الصحة البيولوجية، التي تشكل حاليا موضوع المفاوضات في إطار الندوة حول التنوع البيولوجي. هذا، فإن حل سلسلة من المشاكل رجع إلى المستوى الدولي و يتطلب تنسيقا للسياسات العمومية أو لتصرفات الأطراف الفاعلة الخاصة. و لا يكون هذا التنسيق خاضعا لقواعد قانونية فقط، بل يخضع لمؤسسات دولية ينبغي تدعيمها أو إنشاؤها (لهذا الغرض).

  1. المؤسسات الدولية

أ. التنمية المستديمة في نظام الأمم المتحدة.

من برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى لجنة التنمية المستديمة. وعلى إثر ندوة ستوكهولم  لعام 1972، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة هيأة فرعية هي برنامج الأمم المتحدة للبيئة ((PNUE، مهمته تشجيع النشاطات التي في صالح البيئة، و تطبيق برنامج العمل المحدد في ندوة ستوكهولم. إن برنامج الأمم المتحدة للبيئة هو الأصل في صياغة العديد من الاتفاقيات الدولية (حماية “المياه الإقليمية” المختلفة)، أو كبريات القضايا مثل بروتوكول مونريال حول طبقة الأوزون، واتفاقيات بال حول حركة النفايات السامة.

و مع ذلك، كان الـ PNUE  رغم الجهد المبذول منذ 1972 ورغم دوره الفعال في عقد الندوة حول التنوع البيولوجي، لم ينجح في فرض نفسه كهيئة مركزية لندوة ريو . إن هذا البرنامج الذي كان موضوع خلاف مع هيئات عليا أخرى، قد عانى شيئا فشيئا من فقدان المصداقية. وأخيرا، فإن هناك لجنة التنمية المستديمة، التي هي هيأة انبثقت عن التغيير المؤسساتي لمنظمة الأمم المتحدة أثناء ندوة ريو، و التي كانت  مكلفة بتنفيذ المفكرة 21.

كفاءات متقاسمة. رغم إعادة التمركز هذه داخل  هيأة خاصة، فإن حكامة التنمية المستديمة داخل نظام الأمم المتحدة معقد بسبب وجود عدة وكالات لمنظمة الأمم المتحدة تهتم من قريب أو بعيد بقضايا البيئة و التنمية. (منظمة الأمم المتحدة للتغذية و الزراعة، المنظمة العالمية للصحة، برنامج الأمم المتحدة للتنمية إلخ..) ويضاف إلى ذلك، عدد من البرامج والمنظمات الدولية وأمانات الاتفاقيات الدولية عن التغير المناخي و التصحر. هناك مسألتان أساسيتان ينبغي طرحهما : الأولى  تتعلق  بالتعاون بين منظمات الأمم المتحدة. والثانية تتعلق بوزن هذه الأشكال المؤسساتية بالنسبة للمؤسسات الاقتصادية الدولية… و بشكل عام تطرح مسالة إعادة تنظيم جذري لهندسة مؤسسات التنمية المستديمة. و في هذا السياق اقترحت عدة شخصيات سياسية فكرة إنشاء بنية فوقية، أي منظمة عالمية للبيئة، كنوع من الدعامة للمنظمة العالمية للتجارة.

لجنة التنمية المستديمة

يتمثل الهدف الرئيسي للجنة التنمية المستديمة في ضمان تقييم و تطبيق المفكرة 21 و تعزير التعاون بين الدول والمؤسسات في كافة المجالات و قد ركزت اللجنة على بعض المواضيع ذات الأولوية.

 – معايير ديمومة التنمية

 – مصادر التمويل وآلياته

 – التربية، العلوم و تحويل التكنولوجيات الملائمة للبيئة.

 – الهياكل المقررة و دور الأطراف الفاعلة  الأساسية في ميدان البيئة.

لقد لعبت لجنة التنمية المستديمة دورا هاما جدا منذ تأسيسها و ذلك بإرساء  قاعدة مشتركة للعمل بين الدول المتطورة والدول السائرة في طريق النمو. إن غالبية هذه الدول مزودة بلجنة وطنية للتنمية المستديمة و الإستراتيجيات الوطنية. كما سمحت لجنة التنمية  المستديمة بخلق مجال للمناقشة، حيث توجد ممثلة بصورة واسعة المنظمات الحكومية واكثر فأكثر المؤسسات الاقتصادية.

غير أن لجنة التنمية المستديمة تعاني حاليا من نقصين، فهي من جهة لا تملك سلطة فعلية تمكنها من فرض احترام التزامات ندوة ريو. من جهة أخرى فهي مؤلفة أساسا من وزارات البيئة للدول الأعضاء. وحتى تصبح لجنة التنمية المستديمة مجالا حقيقيا لصياغة السياسات الدولية، لابد أن تؤكد مفكرة عملها على المواضيع الاقتصادية وأن تكون قادرة على تجنيد وزارات الاقتصاد و المالية.

فبتأكيدها على السياسة الاقتصادية تستطيع لجنة التنمية المستديمة إرساء قاعدة مؤسساتية لتحقيق إجماع حول السياسات و خلق حد أدنى من تجانس المعايير.

ب. المنظمات الاقتصادية الدولية في مواجهة التنمية المستديمة

جهود التكيف. بالموازاة مع التغيرات الجارية داخل نظام الأمم المتحدة فإن المنظمات الاقتصادية، و في مقدمتها البنك العالمي، تقترح أن تجعل من التنمية المستديمة مبدأ لإعادة تنظيم نشاطاتها غير أن هذه المنظمات لم تكن محضرة لمواجهة هذا الرهان الجديد إلا قليلا، وكانت محاولات إعادة التوحيد هذه محل نقد شديد، خصوصا في الوقت الراهن، من الأوساط الإيكولوجية، التي غالبا ما تنعت “بالتمليح ” الطريقة التي تأخذ بها هذه المنظمات القضايا البيئية بعين الاعتبار.

تحويل منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية. على إثر النتائج المتوصل إليها من طرف فريق من الخبراء، اقترحت أمانة منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية أن تكون التنمية المستديمة هي المبدأ الموجه لأعمالها.إن التعديل المقترح من الأمانة لابد من أخذه مأخذ الجد. فهو ليس مجرد يقظة سياسية لمؤسسة قلقة على مستقبلها، بل هو تعبير عن إنشغالات المؤسسات الكبرى للصناعة لتجانس السياسات الاقتصادية الرامية إلى توجيه عولـمة الاقتصاد. وكغيرها من المؤسسات الاقتصادية المتعددة الأطراف، فإن أمانة منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية ترى في التنمية المستديمة وسيلة لإعطاء مؤسستها شرعية من جديد و تحضير المفاوضات الاقتصادية للجيل القادم.

الانفتاحات المحتشمة للمنظمة العالمية للتجارة. في 1997، عند المصادقة على اتفاق مراكش، تزودت المنظمة العالمية للتجارة هي الأخرى بجهاز يختص بموضوع البيئة بإنشائها لجنة التجارة و البيئة، في حين أن أمانة الـ  GATT  أهملت دائما ميدان النشاط هذا. إن المنظمة العالمية للتجارة، التي أوجدت لضبط التبادل السلعي، قد اصطدمت في الواقع بمسألة الترابط بين طرق تنفيذ المفكرة 21  وبين النظام التجاري المتعدد الأطراف. تبدو السياسيات البيئية أكثر فأكثر مصدرا للخلافات التجارية. في الواقع، إذا كانت أمانة المنظمة العالمية للتجارة تؤكد أيضا على أن المنظمة ليست مكلفة إلا بضبط المبادلات الدولية، فإنه يبدو من المحتمل أن الدورات القادمة للمفاوضات التجارية سوف تدرج ضمنها سلسلة من القضايا العصيبة ذات العلاقة مع التنمية المستديمة.